لماذا أكتُب؟
***********
لمْ يَكُنْ هَمِّي أنْ أكونَ شاعرًا، بَيْدَ أنِّي مُغرمٌ بالشِّعرٍ مُنذُ الصِّغَر، لذلكَ كنتُ أكتبُ ولا أهتمُّ بما أكتبُ، أكتب فقط للتَّنفيسِ عنِّي، والتَّخفيفِ عن مَكنُونِ صَدري، ولهذا فإنَّ مُعظَمَ ما كتبتُ مَفقودٌ، بعضهُ أضعتُهُ أنا، وبعضهُ ضاعَ لِأسبابٍ لا أستطيعُ الكلامَ عنها الآنَ، وقدْ كنتُ أَستَعِيضُ لإيصالِ ما أُريدُ لِلنَّاسِ بالخَطابةِ، ثمَّ لـمَّا تمَّ مَنعي عنها تمامًا عُدتُ للشّعرِ لإيصالِ أفكاري الَّتي أُحاولُ مِن خِلالِها إذكاءَ شُعلَةٍ في النُّفوسِ، أو إحياءَ فكرةٍ في الرُّؤوسِ، لذلكَ كانت مُعظمُ قصائدي _حتى الغزليَّة منها_ تحوي رسالةً في طيَّاتها، أو تُحيي فكرةً خلالَ أبياتِها، فأنا لا أكتبُ أيَّ شَيءٍ، ولا أَنظُمُ كلَّ ما يجولُ في خاطري، بل أنشرُ ما أُحِسُّ أنَّ فيهِ رسالةً وفائدَة، وإلَّا فلَن يُعجزني نَشرُ بيتٍ، أو بَيتين، أو حتى قصيدةٍ كلَّ ساعةِ في وصفِ طَبخةٍ، أو وَردةٍ، أو في مَدحِ نَغْلٍ، بل ترفَّعتُ عن ذلكَ وتركتُهُ لغيري ممَّن يُحبُّونَ الظُّهورَ والشُّهرةَ ولو عَلَى حِسابِ كرامَتِهم وحُرِّيَّتهِم.
فإنْ أَصَبتُ في هذا فبفضلِ اللهِ ومِنَّتِه، وإنْ كانت الأُخرَى فمِن نَفسِي والشَّيطان.