القراءة كما يراها أنيس منصور __ ذ. محمد داود السواتي

0
270

القراءة كما يراها أنيس منصور

*********************

  لا يكاد يختلف عاقلان أن القراءة منهج حياة ، ودأب يومي رائع ، وأساس للمعرفة والاطلاع على آفاق جديدة ، وسلوك ثقافي مختصر متميز ، وأوّلُ توجيه ربّاني خوطب به سيد البشر ، وآلة فعالة واعية للحفاظ على تراثنا العربي الإسلامي الضخم ، بيد أنها من الأمور التي دونها خرط القتاد ، وإنها لَكبيرةٌ إلا على من يكون له هدف سامٍ يضعه نصب عينيه ويروم بلوغَهُ من خلال قراءته .
وبناءً على ذلك ، فقد كان لكتَّابنا الكبار الذي لعبوا دوراً كبيراً في ميدان التأليف نثرا ونظما ورواية ومسرحية ، والذين سحروا بقوة بلاغتهم ورصانة بيانهم العالمَ أجمع ؛ كان لهم حظ وافر ومقدار أوسع وأبلغ في باب القراءة ، مع إدمان النظر والممارسة والدُّربة في كتب المتقدمين والمتأخرين ؛ على أن الكتابة لا تنتزع عناوينها ولا حتى مراميها إلا بعد قراءة مقال أو بحث أو رسالة أو كتاب أو ما يضاهيها من الجرائد والصحف ، وقد كانوا يترفعون عن أن ينطبق عليهم قول القائل : ” يكتبون كثيراً ويطالعون قيلاً ” ولعمري إنها لبلية تتضاءل دونها كل الرزايا ، وأسوق هنا بعض أبيات من قصيدة الأستاذ أحمد شوقي :

أنا من بدل بالكتب الصحابا
لم أجد لي وافيا إلا الكتابا

صاحب إن عبته أو لم تعب
ليس بالواجد للصاحب عابا

كلما أخلقته جددني وكسا
ني من حلى الفضل ثيابا

صحبة لم أشك منها ريبة
ووداد لم يكلفني عتابا

  وانطلاقا من هذا أودّ أن أشارككم بعض عبارات الكاتب أنيس منصور ، التي تدل دلالة صدق على ولوعه الشديد بالقراءة وأهميتها وخطورة شأنها إذ يقول -رحمة الله تغشاه- في كتابه: “اقرأ أي شيء”: فليس أعظم من الكتاب ولا أروع من العلم ولا أمتع من القراءة ولا أكثر احتراما من شابّ أمسك كتابا وانشغل به عن الأشياء ، والكتاب هو الدنيا ، والعلم هو نعيم الدنيا وأمل الحياة ووسيلتها لِأن تكون أفضل فلا تقدم إلا بالكتاب.. تقرؤه أو تؤلفه”..
ثم استطرد قائلاً وهو يمهّد السبل للقراءة ويحثّ الطلاب عليها ؛ فإن المستوى الثقافي العلمي للفرد لا يقاس بمستواه الدراسي ، بل بمدى بحثه وتتتبعه وتصفحه لعشرات الآلاف من الكتب وجدّه في تحصيل المعرفة فيقول : “وابحث في هذه الكتب واكتب ، وقارن ، ولا تتوقف عن رواية ذلك لأصدقائك ، هنا فقط تكون قد حققت كل أهداف القراءة ، المتعة والبحث والكتابة ثم متعة أخرى في حياة ذلك لمن تشاء” ثم أردف قائلاً: “لن أنسى أول كتاب قرأته عن النبي -محمد صلى الله عليه وسلم-… مددت يدي وقرأت وقرأت ووجدتني أواصل القراءة في الطريق إلى البيت ، وانتهيت إلى غرفتي وجلست أقرأ وأقرأ… وبلغت النهاية في يوم واحد لأعود لقراءته في اليوم التالي”.
ثم أتبع قوله وهو يتحدث عن كيفية ترغيب الطلاب في القراءة ، واختيار الطرق الموصلة إلى هذا الهدف: فليكن من العام القادم أن يلتف المؤلفون إلى إقامة دور النشر ، ويمكن من العام القادم أن يلتقي الناشرون الجدد والقدامى للبحث في كيفية ترغيب الشأن في القراءة ، ومكافأتهم على اجتهادهم كل سنة ، وسوف تكون النتائج باهرة مثمرة [مرضية] لدى الجميع”.
ثم تابع مُنوِّهاً وهو يذكر كتابين مهمين لتشويق النفوس إلى القراءة: الكتاب الأول المسمى بـ” *ما بعد السلام” وكتاب: ” دروس الحرب الحديثة ” من تأليف” أنتوني كوردسمان ، وإبراهام واجنر” وترجمهما الأستاذ عبد الحليم أبو غزالة، شاكرين إياه على هذه الوجبة المتكاملة التي تنعش العقل وتنشط الذهن، حيث يقول معلقاً عليها، ذاكرا محاسنها، مبينا خصالها، أن هذه الكتب ومثيلاتها لها متعة عقلية من الوزن الثقيل، يجب أن تقرأها جالساً لا نائماً ، وأن تمسك ورقاً وقلماً وتسجل ما يستحق المناقشة والاعتراض .. ومثل هذه الكتب كما أنها دروس في السلام والحرب هي أيضا في التفكير والتاريخ ، أرجوك أن تقرأ وتستفيد”.

  وأخيرا وليس آخراً، أتمنى أن لا تكون قولَتي هذه كصيحة في وادٍ أو يكون مآلها إلى رماد ، والله أسأل التوفيق والسداد وتمام الصواب والرشاد .

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here