يوميّاتي مع كورونا في شيكاغو “40” __ هناء عبيد

0
285

يوميّاتي مع كورونا في شيكاغو
“كتاب”
                           2020/06/13                                              ٤٠                  

  هل يمكن مقاومة الشمس وهي تنشر نورها برفق؟! هربت من مسؤولياتي الصباحيّة وقصدت أحد المحال التجاريّة، ليس للدّخول والشّراء إنّما من أجل الجلوس أمام ساحته الجميلة، التّي تتمتّع بمساحة مكشوفة، تسمح لأشعّة الشّمس بالتّسلل إلى أرواح الزّوار، السّاحة يحيط جوانبها مجموعة من الأزهار الجميلة والأشجار النّضرة، جلست مقابلي سيّدة ربّما في أواخر الثّمانين من عمرها، أجبرتنا أماكن الكراسي على الالتزام بالمسافة القانونيّة الّتي فرضتها علينا كورونا، ابتسمت لها فكان ذلك مدخلًا لها للحديث معي، قالت: أنا لا أصلح لشيء في هذا الكون، لا أتقن الزّراعة، لا أستطيع جمع الأصدقاء، لا أقوى على رعاية حديقة بيتي، أجبتها من باب تحسين مزاجها، أنّني أعاني نفس الأمر، فأنا لا أتقن الزّراعة أيضا وليس لي أصدقاء، ولا أستطيع العناية بحديقتي جيّدًا، ثمّ قالت حتّى كتابي رفضوا طباعته، سألتها:
هل أنت كاتبة!؟
أجابتني: أنا فقط كتبت عن الأشرار في الأرض، ولأنّي كتبت أسماء حقيقيّة، خشي النّاشر من طباعته خوفًا من رفع قضيّة عليه.
أردتّ مقاطعتها لكنّي صمتّ، بينما استمرّت هي في الحديث، لقد كتبت في هذا الكتاب عن أولئك الأشرار الّذين دمّروا الكون، لم تكمل حديثها، ذهبت متوجّهة إلى الباص تسبقها عصاها، تركتني في حيرة.
سيّدة في نهاية الثّمانينات من عمرها، تهيم وحيدة في الأرض، ما الّذي كتبته في كتابها؟ ومن هؤلاء الّذين دمّروا الأرض بنظرها!؟ هل هم أبناؤها الّذين تركوها وحيدة تجوب في الشّوارع!؟ أم هم أصحاب المسؤوليّة الّذين تخلّوا عن واجباتهم!؟ أم القادة الّذين أحرقوا الأرض من أجل الدّولارات!؟ أم تراها قصدت كورونا الّتي آثرت خطف أرواح كبار السّن!؟ ولماذا خشي النّاشر طبع الكتاب؟
تركتني في حيرة، تلك السيّدة الّتي بدت بعمر الأرض، مسكينة فقد تخطّت همومها حجم خيوط شعرها الأبيض، وأخاديد تجاعيد وجهها، ملامحها أشارت لي بذلك، لم أستطع فعل شيء، فقد شتّتت فكري الدّهشة، كم تمنّيت لو أنّني سألتها عن عنوانها أو رقم تلفونها، لربّما استطعت مساعدتها.
ترى من هم الأشرار الّذين دمّروا الأرض؟
أتمنّى أن يكون غدها وغدنا أفضل!

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here