ليتني من كوكب آخر…
تمنيت أن أكون من كوكب آخر، لا، لا، ليس ذاك فقط، بل آملت لو كانت أول استنشاقة أوكسجين تدخل رئتاي في كوكب آخر.. تمنيت ذلك.. أردت رؤية الخداع وهو يولد ببطء.. أردت تأمل الناس وهم يحاولون تقمص شخصيات غير شخصياتهم… تمنيت مشاهدة حياة الإنسان البدائية، عفوا الأولى وهي تتدرج من البراءة إلى الشر.. أردت رؤية الإنسان الأول صاحب القلب الأبيض.. عفوا الكائن الذي يفكر في شيء ما.. ربما لا تسكن الكواكب الأخرى ذرية بني آدم، و لكني أنوي السفر عما قريب لأعاين المأساة والكوميديا…
تمنيت رؤية الكائن الأول وهو ينحت، يحاول إيجاد الاستقرار، يحفر بأظافر علاها الدم ليثبت مكانته، تمنيت ذلك لأرى انسياب الحياة الأولى، لأتأمل إزاحة الستار وبداية العراك، لأعاين الفرد الواحد وهو يقاوم التيه والحيرة، لأراه وهو يحجم عن النوم من شدة الخوف، الخوف من المستقبل.. ترى هل له أن يخاف؟! لا أظن ذلك، فليس له ما يخيفه، فدماغه ليست كتلك على كوكب الأرض، متخمة بالمشاغل حتى يخشى الخوف.. آسف لأني ظننت نفسي غادرت كوكبي.. تمنيت الحلول بكوكب آخر لأرى الكائن الأول وهو ينقش حضارة فريدة، يزيح ستارا عن حياة غامضة، يحاول التنفس لأول مرة.. تمنيت ذلك لرؤية وقع أول استنشاقة هواء على نفس الكائن غير الأرضي…لأعايش كده، وقوفه وتعثره، لأراه وهو يقاوم العزلة.. لأرى حياة خالية من رواد الدين، لا دخل فيها للمنشطات الاجتماعية.. تمنيت رؤية كائن أول لا يعرف الموت.. يحاول التجديد.. يصيح.. يسر.. يحزن.. يكتئب.. يغمى عليه.. ثم فجأة يخلق له مؤنس مؤنث لتبدأ حياة أخرى، أو ربما يبدأ مسلس بدون أنثى، لأن صيرورة الحياة هناك قد تكون مختلفة، تضمن له استمرار نوعه.. تتعاقب العقليات ويسود الخداع والنفاق.. يطغى التلوث بنوعيه : التكنولوجي والنفسي.. تسود الأنفس الشريرة وتعثو فسادا.. وأحزم حقائبي لأغادر ذاك الكوكب نحو آخر، يبلغني أن بوادر حياة جديدة قد بدت فيه.