من أم هارون إلى الساحر.. تتغير السيناريوهات والطريق إلى التطبيع واحد – نادية عصام حرحش

0
418

لا أعرف إن كان التطور الذي يطال المصطلحات المستخدمة مقصود أم جهل أم مجرد “ترند” نمشي وراءه كما نمشي هذه الأيام هرولة وراء كل ما يراد لنا أن نلحقه.
تحول الاصطلاح المتوارث ربما من رمضان كريم إلى رمضان مبارك، أثار استغرابي. بالحقيقة أنني لا آبه للكثير من هذه الأمور، وأنا لا أحب الموروثات بالعادة. ولكنني كجزء من كل ينبض حياة بالموروث الثقافي والديني، أجد نفسي متأهبة عند سماع تغيير بما تعودت أذناي على سماعه منذ وعيت على هذه الدنيا. ووعي ليس وعي حاضر بذكريات عمرها قصير، ولكنها ذكريات بعمر أوشك على ان يقفل الخمسة عقود من تجمعات الذكريات التي شكلت وعيا حاضرا في حياتي.
وإذا ما كان هذا التغيير البسيط بالمصطلح من رمضان كريم إلى رمضان مبارك ليس إلا فذلكة بريئة في استخدام المصطلحات، بما يجعلنا جزءا من عالم متعولم منفتح على بعضه بثقافاته ودياناته، فلا ضير من إسقاط صفة الكرم عن رمضان وإضفاء سمة المباركة عليه.
كل ما يجري برأسي هو فذلكة فلسفية لا معنى لها.. رمضان كريم أو مبارك سيان.
ولأني قررت أن أرى الأمور بإيجابية، شاهدت الحلقة الأولى من مسلسل أم هارون. تجاوزت كل ما جرى بالمسلسل من إدخالات غريبة لم أعد أميز فيها إن كانت صعوبة فهمي للهجة الكويتية هي المشكلة أم أن ما يتم إدخاله من لغة عبرية “مخلجنة” هو المشكلة.
حاولت المشاهدة بنفس براغماتية آخذة بعين الاعتبار ما تتطلب الدراما من “تقنيات أدبية”. ضحكت عندما سمعت كلمة ” جالف” أي خليج بالعبري.
كنت لوهلة منشغلة بالممثلة التي تردد النص العبري بمحاولات حفيفة من الاجتهاد، وسألت نفسي إن كان هذا نص توراتي، وكدت أصدق حتى ترددت كلمة خليج مترجمة للإنجليزية بدل العبرية عدة مرات. ضحكت كيف تفشل محاولات المهزلة التي نعيشها بأن تغلق الستار عن هزليتها بجدارة. فكل محاولات الممثلة بترديد ما يبدو تلاوة ودعاء توراتي بعبرية متقنة، تهاوي عند استخدام كلمة خليج.
على فرض أننا أردنا أن نصدق ما تبنيه لنا حبكة الدراما من أصول اليهود في الكويت، فهل يعقل أن بعد كل هذا الإتقان أن تسقط كلمة خليج من محاولات الترجمة، أم أنها محاولة ركيكة مبنية على وعي محكم بأن المتلقي جاهل، وما سيكون أقرب إلى أذنيه هي أنجلزة كلمة خليج لتستخدم بما يعرفه أهل الخليج عن اسمهم بالخارج.
الحقيقة أني ضحكت وانتهى المسلسل بالنسبة لي، فكل محاولات أنسنة الاحتلال وأنسنة اليهود في عمومهم سقطت سهوا أو قصدا، لا أعرف عند استخدام هذه الكلمة الأوروبية لوصف الخليج.
لنعرف أن هكذا نص ليس موجودا إلا بنص كاتب السيناريو الذي أراد لليهودية مهدا خليجيا.
وإذا ما كانت هذه غلطة يجهل صاحبها اللغة العبرية أو ربما يكون تعلمها بأمريكا. لا أعرف إذا ما كانت السقطة في أحد المشاهد عند إعلان قيام إسرائيل بينما يتجمهر الناس عند المذياع بقول مذيع النشرة إنه تم قيام دولة إسرائيل على أرض إسرائيل. حتى من انتهك حياة فلسطين واغتصبها اعترف بأنها أرض فلسطينية. أيغيّر العرب النص لجعل الأرض بأصلها أرض إسرائيل؟
عشنا حياتنا تحت تهديد التزييف الإسرائيلي للتاريخ، وها نحن اليوم نشهد التزييف العربي لمصلحة إسرائيل على الشاشات!
وبينما أقلب بين المسلسلات توقفت عند مسلسل عابد الفهد، الساحر، وهو مسلسل سوري، إذا ما كان عقلي يريد الابتعاد عن الخليج وهرولته نحو تطويع التطبيع وأنسنه المغتصب في حبكة درامية ستؤثر فقط بالجاهلين والأغبياء الذين لا يفهمون من التاريخ إلا ما تقدمه برامج التلفزيون والفضائيات.
إذ بالساحر دي جي مستورد بخلطة أغاني تبدأ بسكر محلي وتنتهي مطولا، بينما الفنان العظيم عابد الفهد يذهب ليلتقي بصديقه الفنان القدير عبد الهادي الصباغ على أطراف البار بأغنية عبرية بعد وصلة سكر محلي وشخص ما أضاع تلفونه وامرأة ما بطعم التوت.
للحظات فكرت أن أذني تخونني، وأنه أصابني هوس أو رهاب التطبيع العربي. فكرت إذا ما كانت هذه حقيقة الحفلات الصاخبة في العالم العربي، بينما يهز الراقصون الرؤوس انسجاما مع ضجيج الموسيقى الصاخبة والأغاني التافهة، ليزيد فوق تغييب الوعي العربي أسرلة.
تذكرت الشبان العرب في محيطي، والذي تحولوا في معظمهم إلى عمال في المصانع والفنادق الإسرائيلية، بينما يتفاخرون بموسيقى السيارات الصاخبة بأغنيات عبرية، متفاخرون باندماجهم الوهمي بعد يوم عمل مليء بالإذلال لدى الأسياد، بفرصة ليكونوا على قدر ثقافتهم باستخدام أغانيهم. وكأن المار أمامهم سيدرك أنهم في وضع أفضل لأنهم يعملون “لديهم” كعمال. ففرص معاشاتهم أكبر، تتفاخر بهم أمهاتهم لأنهم يدخلون المال إلى البيت. وهم أثناء محاولتهم تذويت ذلهم اليومي، يختالون بالأغاني العبرية بضجيج الشوارع، ليحاولوا أن يثبتوا لنا أن عملهم فرحة وحفلة وثقافة جديدة لا نفهمها نحن الرجعيون المتخلفون.
فما الذي أراده الفن السوري تقديمه لنا هذا الموسم من خلال وصلة الأغاني “الشعبية” الرائجة في الحلقة الأولى؟ وهنا أعي تماما أن إنتاج المسلسل ليس سوريا، ولكن عندما ترى ممثلين بحجم عابد الفهد وعبد الهادي الصباغ الذي بني تاريخهم الفني بالتغريبة الفلسطينية وشأنها من مسلسلات، فالأمر كذلك سيان.
هل العولمة طريقها يشق هكذا عن طريق إدخال العنصر الإسرائيلي فيها عنوة وطواعية؟
أحدهم يقدم لنا نصوصا توراتية تشير إلى يهود الخليج ولا يأبه حتى بالتفكير باستخدام الكلمة العبرية في نص عبري مدروس، لأن إيقاع الكلمة المؤنجلزة سيكون أقرب إلى قلب الجالفييين (gulf). ويحرّف بمجريات التاريخ من نكبة على أرض فلسطين لإعلان قيام إسرائيل على أرض إسرائيل، والآخر يقدم لنا أغاني شوارع بلغة عبرية لنضيفها إلى قوائم أغانينا المحببة لإضافة الزخم لليالي الصخب والسكر.
يبدو أننا نعيش تحقق حلم الصهيونية الكبير في دولة إسرائيل من النهر إلى البحر، ونحن بغبائنا نفتح لها الطريق من الخليج.
نعم قضية فلسطين كما تنشر التغريدات السعودية ليست قضيتهم. لأنه على هذا المنوال سيكون لكل دولة عربية قضية فلسطينية يتحمل وزرها!

كاتبة فلسطينية

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here