بلال التليدي يكتب: لا تكثروا من الزهو.. اللحظة لحظة مقاومة

0
225

ثمة خطاب نشوة بات يسود في وسائل الإعلام العمومية ولدى قيادات الأحزاب السياسية والمسؤولين، عن التجربة المغربية في مواجهة وباء كورونا، خطاب تجاوز في بعض الأحيان حد النشوة ووصل درجة الزهو والغرور، بل إن البعض صار يتحدث عن تصدير هذه التجربة الفريدة إلى العالم، ومنهم من بدأ يقارن بين المغرب وبعض الدول الديمقراطية وكيف نجح حيث أخفقت.
نعم، ثمة في التجربة المغربية ما يسترعي الالتفات إليها، وثمة عدد من الدول والمنظمات ووسائل الإعلام من أشاد بهذه التجربة، بسبقها لاعتماد إجراءات جد مبكرة في مواجهة الخطر، في إغلاق الحدود، وإغلاق مكان التجمعات الكبرى، وأيضا إعطاء أولوية لحياة الناس على حركية الاقتصاد وتعزيز ثقافة التضامن.
لكن هذه الإشادة من طرف منظمة الصحة العالمية أو من طرف الدول، أو من طرف كبريات الصحف العالمية، كما الوعي بصحة وصلابة الخطى التي اتخذها المغرب، كل ذلك لا يبرر بأي حال من الأحوال استباق الحال، والتبشير بنجاح التجربة، والذهاب حد الزهو والغرور. فالمغرب، ورغم التعبئة الوطنية التي قام بها لتوفير أكبر قدر من الجهوزية الصحية، لا يتوفر على إمكانات كبيرة، وخطته ورؤيته لا تراهن على قوة النظام الصحي، بقدر ما تراهن على عوامل أخرى أكثر فعالية من البحث عن الإمكانات القصوى للنظام الصحي.
خطة المغرب، بسيطة، وربما قوتها في هذه البساطة: تعبئة المجتمع من أجل مواجهة الخطر بدل الرهان على نظام صحي، حتى ولو أوتي كل الإمكانات، لا يمكن أن يحل مشكلة انتشار الوباء في حالة خذلان الشعب لخطة الوقاية.
البعض من فرط ولعه بثقافة الإشادة والزهو والغرور بدأ يقارن المغرب بدول أخرى فقدت القدرة والسيطرة على الأعداد الهائلة من الإصابات التي اجتاحتها، وهي التي تتمتع بنظام صحي يضاعف إمكانات المغرب بعشرات المرات، والبعض الآخر، تجاوز الطبيعة، فصار يزهو بمعطيات وفرتها الجهات الأمنية بتضاؤل نسبة الحوادث أو تناقص نسبة الجرائم، مع أن هذه الظواهر لا يتصور وجودها بنسبها الطبيعية وغير الطبيعية إلا خارج أجواء الحجر الصحي.
لنكن صرحاء. لحد الآن، لا شيء واضح في حالة المغرب، والأرقام لا تدل على أي شيء سوى ما يتعلق ببروز مؤشر في الأيام الماضية بتضاؤل نسبة الوفيات، في حين لا تُوفر الأرقام المعلن عنها لحد الآن بالنسبة إلى نسبة التماثل للشفاء أي مؤشر في هذا الاتجاه أو ذاك. الرقم الوحيد الذي يمكن أن يعتمد عليه لمعرفة مآل الوباء، هو مخزون المخالطين المتبقي، وهو منذ أسبوع لا يتناقص أو على الأقل لا يراوح مكانه بشكل كبير، مما يعني أن حالة الوباء وإن كان متحكما فيها، فهي لاتزال غير واضحة، وأن اللحظة التي تظهر فيها مؤشرات مقلقة في بعض المدن، تظهر صرامة كبيرة من طرف السلطات في تشديد إجراءات الحجز (استعمال الحواجز) وتضييق حركية الناس إلى أبعد الحدود، كما حدث في عدد من البؤر التجارية في بعض المدن مؤخرا.
لست خبيرا في الإحصائيات، ولا في تحليل انتشار الوباء، ولا في مقارنة الصيغ المعتمدة وفعاليتها في مواجهته، لكن، ما يهمني هو التفاعل مع تجربة نعيشها مرتين يوميا، من خلال أرقام يجري الإعلان عنها، وندوة صحافية تُطلع الناس عن حصيلة الوباء كل سادسة مساء.
ملخص الوضعية كما تتراءى في التقدير، أن المغرب لا يعيش خطرا كبيرا، ولم يصل إلى مرحلة المفاجأة، ولايزال في طور التحكم في الوباء، لكن في المقابل، فإنه يعتمد بشكل أساس على ذكاء الشعب ويقظته، وهذه هي نقطة قوته كما نقطة ضعفه أيضا، بما يعني أن المغرب اليوم، ليس في وضع يسمح له بالزهو ولا بالغرور، ولا بأن يظهر في موقع صاحب التجربة الفريدة التي يعرضها على العالم للتقاسم.
الإيجابية مطلوبة، والتفاؤل هو سند كل شعب يريد أن يخرج من الأزمة، لكن في المقابل، تفرض اللحظة تعبئة الجهوزية لدى كل مكونات الشعب، وتعزيز ثقافة المقاومة، والتقليل من خطاب الزهو، لأن هذا الخطاب، قد يدفع الناس للاستعجال، وخرق الأطر التي جرى الاتفاق على أنها تمثل المدخل الأساس لمواجهة هذا الوباء.
مطلوب من إعلامنا العمومي ومن كل القيادات الحزبية ومن المسؤولين في هذه اللحظة الحاسمة، الكف قليلا من خطاب الغرور ولغة الزهو، فالجميع يعلم حكمة الدولة واستباقها وإعطائها المثل في تجسيد ثقافة التضامن، ومن الأفضل أن نسمع هذه الأشياء الجميلة من غيرنا، بدل أن نُسمعه كل يوم للمواطنين، فيشعروا أن المغرب خرج من الجائحة، ويبدؤوا في ممارسة الضغوط من أجل كسر الحجز الصحي بما يعرض البلد للخطر.

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here