حياة طالب بالمهجر – إبراهيم عبد الكريم

0
319

حينما وصل إلى آخر محطة، ترجل وقفز من الميترو، هرع نحو الجامعة دون انتظار، في طريقه، التقى بأصدقائه الذين عبروا له عن أسفهم ومواساتهم له، يبدو أن الخبر قد انتشر انتشار النار في الهشيم. كانت الجامعة مكتظة بالطلبة نتيجة ظهور النتائج الجامعية. لم تفت الفرصة على معارفه للتعبير عن تضامنهم معه، هي روح الصداقة التي تجمع بين الطلبة المهاجرين، خاصة أولئك الذين تربطهم المعاناة ومآسي حياة الغربة والتشرد. كان الفتى معروفا بجديته في تتبع حصصه الدراسية، والدليل على ذلك حصوله على نقط مشرفة. لما وصل مكتب الإدارة وجد بابها مسدودا، وقد علقت عليه عبارة:” أرجو ألا تزعجوني، النتائج كلها منشورة في الجهة اليمنى للمكتب”. وقف الفتى هنية ينظر، متأملا فيما كتب على الورق، ما الذي يمكنه أن يفعله؟ إما الانتظار أو طرق الباب لعله يجد آذانا صاغية. الانتظار، في هذه الحالة سيزيد من معاناته النفسية من حزن واضطراب، على الرغم من ذلك قرر الانخراط من جديد في دوامة الترقب، صراع داخلي. بعد ما انتظر دقائق معدودة، تقدم نحو الباب وقرع الجرس، لم يستطع تحمل أكثر من ذلك، فتح الباب فأطلت منه الكاتبة، والقلق يبدو على وجهها، قام بتحيتها من باب الاحترام، إلا أنها لم تولِه أي اهتمام، بل صرخت في وجهه قائلة:” ألم ترَ ما كتب على الباب؟”، ثم تابعت: “لا نريد إزعاجا من أحد، أتفهم هذا”.
كانت تتحدث وهي تقوم بحركات وكأن الطالب لا يفهم إلا لغة الإشارة، أيعني ذلك أنه أصبح بكما في نظر الكاتبة، أم أنه لا يتقن الحديث باللغة الفرنسية؟ هناك من يظن أن المهاجر غير قادر على التحدث باللغة الفرنسية. أيكون ذلك دالا على أن تلك الأفكار دخلت إلى الحرم الجامعي؟ تلك اللغة التي درسها الفتى بداية من قسم السنة الثالثة ابتدائي، وإلا كيف استطاع دراسة كتاب البؤساء لمؤلفه الفرنسي فكتور هوغو، وهو لا يزال بمرحلة الإعدادي؟ هذا دون الحديث عن سنوات مرحلة الثانوية واجتياز شهادة الباكالوريا بمواد اللغة الفرنسية.
بدت على ثغرها ابتسامة ساخرة، زادت من ألم الفتى. تركها تتحدث، فيما كان هو يبدو حاضرا كالغائب ويقظا كالنائم، لا يلتفت لما تقوله. كانت تنطق بكلمات لا تحمل معنى بالنسبة إليه. حينما انتهت، خاطبها بهدوء ورزانة، وظف كل قواه للتحكم في أعصابه، ظل يحاور نفسه، وهو يتذكر وصية أمه التي كانت تقول له فيها: “في حالة الغضب، التزم التعقل والصبر، وراقب ما تبوح به لمخاطبك”. كانت أما حنونا، علمتها مآسي الحياة حسن التدبر والصبر، تنقلها من دار إلى دار في صغرها أكسبها قوة مواجهة المصاعب. كانت صبورة، كانت تقول له دائما إن الحياة كلها تجارب ودروس، يجب استثمارها كالدروس المدرسية.
خاطب الفتى الكاتبة بأدب واحترام قائلا:” سيدتي، كل ما في الأمر أني أريد استفسارا من فضلك. نظرت إليه لكن هذه المرة بحيرة وبغير بقلق. تابع قائلا:” أظن أن هناك خللا ما في نتائج الامتحانات، سنة أولى لتعلم اللغة الفرنسية”. قبل أن يتم كلامه، قاطعته بقولها: “لست أنت أول من يقول هذا، وأردفت: “ربما أنك حصلت على نقطة ضعيفة أو ربما لم تشارك في الحصص”. كانت تتحدث وهو يحاور نفسه لعله يجد طريقة تمكنه من الإفصاح عن هدفه، “يا إلهي كيف أستطيع أن أُفهمها أن هناك خطأ في النتيجة؟”. ظل واقفا أمامها وكل جزء من جسده يميل إلى السقوط، في تلك اللحظة، مرت أمامه.

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here