تغيرت يا أنا! أصبحت أبحث عن عش صغير أحس فيه بالدفء.. لم تعد الأضواء تثير شغفي.. الأحياء القديمة مليئة بأشباح لا أعرفها!
تلك الأنا التي كنت أتجنبها، أصبحت ترافقني.. بنيت لها قصرا في بيتي: أدخل المطبخ كلما رغبت في اكتشاف مهاراتي المطبخية.. أتجول في غرفة الضيوف لكي أتحدث مع نفسي كضيفة شرف تاركة الشعور واللاشعور يتسامران.. يتناقشان.. يتعاتبان.. أقضي معظم وقتي في غرفتي المفضلة” غرفة الهوايات”، أرافق فيها صديقي الكتاب المخضرم الذي يتحدث خمس لغات: العربية، الفرنسية، الإسبانية، الإنجليزية والهولندية. عندما يتعب كتابي مني، أتركه يستريح قليلا.. أحمل قلمي وأترك له العنان لكي يكتب ما يشاء.. كتاباتي عفوية، سهلة القراءة، صعبة الفهم.. خالية من مفردات اللغة الصعبة.. مليئة بالمجاز الذي لا يدخل إلا قلوبا وعقولا تعرفتْ على جزء من شاطئ أفكاري.. وعندما يعجز القلم عن الكتابة، أغيره بقلم رصاص.. فتجدني أخربش خربشات لها معنى في ذاكرتي، تسافر بي إلى حدث ما أو يوم ما أو شخص ما..
أحيانا أحس برغبتي في تلوين خربشاتي.. أحمل ريشتي وعلبة الألوان.. وأبدأ بخوض معركة مع عالم أعشقه لكني لم أتعلم تقنياته بعد.. عالم يمنح روحك الطاقة الإيجابية عندما تسافر في ألوانه الربيعية ويمنع سقوط دموعك المتجمدة عندما تعبر عن حالة الحزن التي تسكن قلبك الهش.. قلبك الذي بدأت شرايينه تهتز من هبة ريح خفيفة..
أما غرفة النوم، فأصبحت منسية، هدم الأرق جدرانها.. وغير الحجر الصحي أثاثها إلى حجر قديم مرمي فوق شاطئ النسيان.
الموسيقى.. ذلك العالم الذي يرافقني في كل غرفي.. وفي كل حالاتي.. يداعب شعوري ويوقظ اللاشعور في داخلي.. أستمع إلى كل أنواعها وكأنني أتجول في كل أنحاء العالم.. معزوفتي المفضلة هي تلك التي تتقن العزف على أوتار قلبي.. تسافر بي إلى عالمي الذي لا يشبه عالم الإنسان.. عالمي الذي بنيته عندما فتحت عينيَّ أول مرة ورأيت أول قصة حب.. حب ملائكي طاهر بين زوجين لا يعرفان غير الحب.. الصدق والإخلاص والمودة والوفاء تحمي علاقتهما. كنت أكبر وأنا ألاحظ قصة حب جميل بين والديَّ. كبرت وقرأت وتعرفت على أجمل وأروع قصص الغرام.. وظننت أن العالم مليء بمن يملكون قلبا طاهرا يغذي رئة الكون. آه.. يا أنا.. يا من كبرت بعد فوات الأوان! بعد أن أصبح الحب كلمات تزين الكتب وتقتل القلوب!