في الوقت الذي كان ينتظر فيه دور فعال وجدي وحقيقي لمجلس الجالية المغربية بالخارج وأمينه العام -في غياب رئيسه- الدكتور عبد الله بوصوف، نجد أن السيد عبد الله ومع التزامه بالحجر المنزلي مكرها مثله مثل جميع المغاربة قد زاد من نشاطه الفيسبوكي وتفرغ أكثر للتنظير الذي تعود عليه دون تخصص في مجال معين، بل يبقى من المنظرين القلائل في هذا الكون الذين تخصصوا في كل شيء ولا شيء، فمن التاريخ يسافر بك إلى الجغرافيا، ومن علم الطبخ الباريسي يعود بك إلى علم البذل والتبرع في بلجيكا، مرورا بكل علوم الدنيا إلى علوم الدين والطريق إلى الأخرة، غير أن المرور بقلوب المحسنين المتوجه خوفها بسبب داء كورونا واستعدادها للآخرة، لابد وأن تكون لعبد الله بوصوف بصمة فيما بذلته من مال أو قدمته من قُفف لكل محتاج ومسكين، هذه المرة ليس من محتاجي المغرب، بل من محتاجي ومساكين بلجيكا وتحديدا بروكسل.
ما أقرب إسبانيا وموانئها التي تجمع فيها مغاربة حاولوا أن يصلوا إلى بر بلدهم فمنعوا عنه بدعوى احتمال حملهم لوباء كورونا، والتي تشرد فيها أطفال مغاربة في طرقات وأزقة عدة مدن منها لم تستطع استيعاب أعدادهم الكبيرة مراكز الإيواء الإسبانية. بل وما أقرب مدينة مليلية المحتلة ليس من المغرب فقط بل ومنطقة انتماء عبد الله بوصوف نفسه وتعرض المغاربة في تلك المدينة لكل محنة وتشرد، ومعظمهم من بني مدينته وجهته يتحدثون بلسانه الأم. لكن الدكتور عبد الله بوصوف لا يسمع هؤلاء ولا يراهم، هو يرى فقط القفة التي جمع ثمنها محسنو بروكسل المعروفين بطيبة قلبهم وإحساسهم بالمسؤولية تجاه إخوانهم، بل وتجاه كل مسكين محتاج لا فرق أن يكون أصله مغربيا أو أوروبيا أو إفريقيا أو آسيويا، فمحسنو بروكسل تعلموا التعامل مع الإنسان لا مع التصنيفات التي تلصق به، عرقية كانت أو دينية أو لغوية أو طائفية.
وهنا لنا أن نتساءل، لماذا لم يطلق الدكتور عبد الله بوصوف مبادرة حقيقية بمغاربة العالم وهو يعلم جيدا كما يعلم الجميع أن إقامتهم بأوروبا لا تعني أنهم يعيشون يسر الحال كما كان يسوق إعلاميا، معتقدين أنهم ينامون على جبال من الذهب والفضة، بل معظمهم يعيش حياة متوسطة لكن خارج إطار الأزمات. أما حين تحل الأزمات -ولم يحدث أن ألزمتهم أزمة سابقة بيوتهم مثل أزمة كورونا- فقد تضرر منهم الكثير خاصة الذين ليس لديهم دخل شهري قار، من المشتغلين بالتجارة والخدمات. ورغم تعويضات صناديق الضمان الاجتماعي لهم فإنها تبقى مبالغ غير كافية لهم لتغطية تحملاتهم، والتي إذا استمر الحال على ما هو عليه لأسابيع أخرى، فسيؤدي بكثير منهم إلى إشهار إفلاسهم، وبالتالي الدخول في دوامة من المديونية قد لا يستطيعون الخروج من بؤرها إلا بعد سنوات طويلة.
هنا تحدث عن المغاربة أو تحديدا المواطنين الأوروبيين من أصول مغربية المجنسين أو المتمتعين بحق الإقامة القانونية، أما إذا تحدثنا عن المغاربة السياح العالقين ببلجيكا وفرنسا وأوروبا عموما ناهيك عن آلاف مثلهم عالقين في كل بقاع الأرض، فماذا قدم لهم مجلس الجالية المغربية في الخارج من مساعدة، بل وهل سمع بهم أصلا وتجاوب من شكاواهم وملفاتهم؟
أما المغاربة بدون أوراق هوية -الحرّاكة بالمفهوم الدارج- العالقين بين مطارق الخوف من دوريات الأمن رغم التطمينات التي يبثها الأمن لهم بين الفينة والأخرى، وسندان الجوع والعطش والتشرد، فأولئك فقط هم مجال اهتمام عبد الله بوصوف، واهتمامه تحديدا بــ”القفة” التي تعمل جمعيات المجتمع المدني على تقديمها لهم. لا أقصد اهتمامه بهم بمعنى تشكيله للجنة مالية اجتماعية يشكلها المجلس لرعايتهم لا، اهتمامه يأتي ويا للغرابة من خلال تعليق فيسبوكي له ركيك العبارة والتعبير كتبه في خانة تعاليق على جمعية بروكسيلية معروفة بدعمها للمحتاجين في كل أزمة، يقول فيها حرفيا:” بارك الله فيكم وزاد من عزمكم، ما هي طرق المساهمة معكم؟ وجزاكم الله عنا بألف خير”.
الرجل يتساءل عن طرق المساهمة في هذا المشروع؟ ولو عاد إلى صفحة الجمعية عينها لقرأ ما كتبته عن طلبات العون ورقم الحساب الذي وضعته للعموم لكي يتبرع عليه، ولو كان غرضه التبرع حقا لتواصل مع أعضائها على الخاص وسألهم عن سبل ذلك، لكن عبد الله بوصوف يريد أن يسجل موقفا، (أنظروا أنا رجل محسن ويحب الخير للمحتاجين، فعرّفوني بطرق مساعدتكم).
هل يخفى على رجل تورط في عمليات تهريب مبالغ مالية مهمة من المغرب إلى أوروبا -على الأقل حسب اتهام مجلة إلموندو له- ومن أوروبا إلى دولة الإمارات وتحديدا دبي -حسب اتهام مجلتنا مجلة الديوان له- أن يسأل عن كيفية دعم جمعية بسيطة في بروكسل، ولماذا هذه الجمعية بالذات رغم أن جمعيات ذبابه البلجيكي متوفرة بكثرة وتتلقى باستمرار مبالغ خيالية منه، منها ما يستقر في حساباتها ومنها -وهي المبالغ الأهم- تنتقل إلى وجهتها في دبي، لو أراد أن يخلق ديناميكية تبرع حقيقي لأرسل لها المبالغ المطلوبة حتى السنتيم الأخير توصلها لكل محتاج في ساعة واحدة من نهار، دون كل هذه البهرجة؟؟؟
ولماذا يبحث السيد عبد الله بوصوف عن دعم جمعية بلجيكية علنا في هذا الظرف بالذات، هل لإنقاذ ماء وجهه بعد طلبه من مغاربة العالم التبرع لصندوقه لمواجهة جائحة كورونا في المغرب، وتبرير بقاء تلك التبرعات أو الجزء الأكبر منها خارج الوطن تمهيدا لكنزها في حساباته السرية في أوروبا وآسيا، وإبعاد شبهات جديدة عنه بتقديمه مسوغات يوهم بها المتشككين في أمره من جهات أمنية مغربية وأنتربول أن المال جُمع في أوروبا ووزع فيها على فقرائها؟
أسئلة لا يمكن أن يعرف خبايا أجوبتها إلا عبد الله بوصوف نفسه، والأجهزة الأمنية البلجيكية والعالمية التي تتبع لا شك كثيرا من أنشطته المالية المشبوهة وعلاقتها بشخصيات صنفت أوروبيا وعالميا بعلاقاتها المحتملة كغير مرغوب فيها لنشاطاتها الدينية والدنيوية المالية التي قد تشكل خطرا على الأمن الأوروبي.