هذه قضية أخرى قد تنضاف إلى قضية إلموندو الإسبانية في سجل عبد الله بوصوف العدلي أمين عام مجلس الجالية المغربية بالخارج -إذا ثبتت تكهناتنا-، والتي قد يطلق عليها الإعلام الأوروبي والعالمي قريبا جدا: اسم “قضية الديوان البلجيكية، المجلة الناطقة باللغة العربية والصادرة من بلجيكا”.
نفتح هنا قوسا على شخصية مهمة ومحورية وردت في تحقيق إلموندو ألا وهي شخصية نور الدين الزياني، التي كانت صلة الوصل بين مشروع نموذج عبد الله بوصوف الديني الإسلامي ليس لإسبانيا وحدها بل للقارة الأوروبية والعالم ككل، هذه الشخصية التي إلى جانب تورطها في التهريب والتبييض المالي الذي اتهمت به زوجة الأمين العام إلى جانب شخصيات مغربية أخرى، اتهمت بالترويج للتطرف والخطورة على الأمن الإسباني -وبالتالي الأوروبي-.
ونقتبس بالحرف ما كتبت عنه الجريدة العالمية.
نور الدين الزياني
تقول إلموندو: -نور الدين الزياني- هو أحد أهم الرؤوس في هذه الشبكة حسب التحقيق، وقد كان يرأس إحدى الجمعيات في كتالونيا منذ سنة 1999، لكن الداخلية الإسبانية قامت بطرده سنة 2013، بدعوى الترويج للتطرف، وتخريب العلاقات الإسبانية مع دول خارجية، بينما يسجله مكتب المخابرات الإسبانية بكونه خطرا على الأمن القومي.
قبل ثلاث سنوات من طرده، سينشئ الزياني “اتحاد المراكز الثقافية الإسلامية بكتالونيا”، وهو الاتحاد الذي يتمحور حوله التحقيق، ووصل إلى القضاء حيث يجري حاليا محاكمة زوجة الزياني.
قام هذا الاتحاد بتنظيم عمل سبعين مسجد بمنطقة كتالونيا، ومقابل هذا كانت الدولة المغربية تضخ في ميزانيته أزيد من ملياري سنتيم سنويا، لكن هذه الأموال حسب صحيفة “إلموندو” لم تصرف كلها في مكانها الحقيقي، وذهب أكثرها إلى حسابات زياني وزوجته عتيقة بوحورية ملياني، والتي اعتبرها التحقيق تلعب دورا محوريا في كل ما وقع.
دعونا من كل الإشارات التي تحيل إلى المال ولنركز على بعض الصيغ الأخرى التي وردت بمقال إلموندو ذات الدلالة الدينية، وهنا نقصد الديانة الإسلامية الحنيفة التي أصبحت وحدها محط اتهام بالإرهاب والتطرف والدعشنة، في الوقت الذي تقوم فيه إثنيات أخرى في هذا العالم بقتل مواطنيها وتسجيل عملية إبادتهم بالصوت والصورة لكن لا تطالها أدنى تهمة من المجتمع الدولي، فقط لأنها تحسن ترويج أفعالها التي -ويا للعجب- تلقى استحسانا من أصحاب القرار في العالم. في حين يزيد المنتدبون للحديث عن مظلومية الإسلام والمسلمين طينة هذا الدين بلة، فيسيئون إليه أكثر مما أساء إليه أعداؤه وغير معتنقيه، وهذا تماما ما يحدث الآن في فرنسا بعدما تدخل عبد الله بوصوف بمرجعيته المتخبطة، فرهن المسار الإسلامي السمح لمغاربة فرنسا فيه -خاصة- بأفق إيماني يزداد تأزما مع كل تصريح له.
هذه الإشارات التي وردت في صك الاتهام لنور الدين الزياني “مبعوث عبد الله بوصوف الديني إلى إسبانيا” هي:
الترويج للتطرف.
تخريب العلاقات الإسبانية مع دول خارجية.
تمثيل خطورة على الأمن القومي (حسبما صنفه مكتب المخابرات الاسبانية).
وهذه تهم قد تنطبق عليها الصفة الذاتية كما قد تنطبق عليها الصفات التنظيمية أو “الجماعوية”، في حين أن باقي التهم توصي بصريح التلميح إلى وقوف شبكة منظمة جدا ممولة جدا لتحقيق الأهداف/ التهم الأولى: تشكيل الخطر على المجتمع الإسباني وعلى أمنه القومي وبالتالي امتداده الأوروبي والعالمي عن طريق منظمة مهيكلة هي: “اتحاد المراكز الثقافية الإسلامية بكتالونيا”، المنظمة التي تتحكم في سبعين كيان مشبوه ومتهم بتخريب العلاقات الإسبانية مع دول خارجية، لم يحدد المقال هذه الدول الخارجية ولا جغرافيتها، ولم يبين هل تقتصر فقط على القارة الأوروبية أم أنها انفتحت على العالم أجمع؟
بصيغة أخرى، إن نور الدين الزياني هو رئيس تنظيم إرهابي عالمي، لكنه في الواقع مجرد الدمية التي تحركها أصابع عبد الله بوصوف، الذي يبدو أنه برغم تقيته في ادعائه وزعمه خلع جبة ولائه لحركة الطلائع أو طلائع الفتح السورية وتغيير ولائه للدولة المغربية ومقدساتها الدستورية، ما زال يدير التنظيم السري، أو لنقل تحديدا فرعه الخارجي، لكن ليس بمبادئه الأولى، وإنما حوّله لعصابة لنشر الكراهية كغطاء، وتحريك الأموال تحت رمال “الدعوة إلى الله” التي ما زالت تبتز ميزانية الدولة المغربية وتستخلص منها حقائب مليئة باليوروهات بمناسبة وغير مناسبة.
ملاحظة: لا يجب إغفال أصل التنظير الذي يؤمن به عبد الله بوصوف، وهو هنا سوريا، أو فهم بعض الجماعات السورية للإسلام، نرى نتائج تطبيقه في بعض تشكيلات المعارضة السورية التي لا تختلف في نظرتها للدم عن نظرة النظام.
الآن: ما هي القضية التي تفجرها مجلة الديوان الصادرة من بلجيكا؟
توصلت مجلة الديوان من خلال مصادر موثوقة (نتحفظ على ذكرها الآن، ولن يتم الإعلان عنها إلا أمام تحقيق قضائي رسمي) إلى حسابات وأوراق وكالة أسفار أخرى، تنضاف إلى وكالتي الأسفار في كل من برشلونة والرباط، مقر هذه الوكالة الرباط أيضا، لكن لا علاقة لها بوكالة الإليزيه إياها.
تحدث مصادرنا عن فساد عبد الله بوصوف المالي والديني طبعا، وكأن هذا الرجل لم يدرس قواعد تهريب المال إلا عن طريق وكالات السفر، وعبر حقائب رجالات ونساء تنظيمه القديم. مقر هذه الوكالة شارع مولاي يوسف، لصاحبها “صاحب السعادة والكرم”، فكل سمات السعد والسعادة والجود والكرم قد اشتمل عليها اسمه.
هذه الوكالة -التي نتحفظ على اسمها الآن وعنوانها الكامل واسم صاحبها والذي لا يمكن الإدلاء بكل بياناتهما إلا أمام جهة تحقيق رسمية- احتكرت كل أنشطة مجلس الجالية من سفريات ولقاءات ومؤتمرات لسنين عدة، كان المفترض أن تفوز بطلبات العروض التي يفترض في المجلس تقديمها لمثل هذه الوكالة سواء في شكل عقود محددة المدة والشروط، تماما مثل كل الجهات والمرافق التي يتعامل معها عبد الله بوصوف ويلوي عنق مجلس الجالية معه، من فنادق وشركات نقل وشركات توريد إلخ، أو عقود ظرفية.
العائد غير الشرعي الذي يتحصل عليه عبد الله بوصوف مقابل تخصيص مثل هذه الوكالة بعقود المجلس الكبرى يتمثل أولا في ضخ فارق السعر الحقيقي الذي يتم تضخيمه بشكل خيالي مقارنة مع ثمنه الحقيقي في السوق والذي يحدده قانونَا العرض والطلب، والذي تنقص منه بنسبة متفاوتة شركات المناقصة التي يفترض في المجلس أن يتعامل معها في مثل هكذا صفقات، أقول يتم ضخه في حسابات جمعيات وهمية أنشئت لمثل هذا الغرض، مثلا “association centre Maghreb d’études civilisationnel“، وحسابات بنكية في المغرب مثلا الحساب البنكي الذي يتكون من 11 رقما، يبتدئ بالرقم “70“ من الشمال إلى اليمين، وينتهي بالرقم “53“ أقصى اليمين، (تحفّظْنا على باقي الأرقام السبعة) والتي لا يمكن أن ندلي بها إلا للتحقيق الجنائي المالي الذي لا نظنه سيتأخر كثيرا، سواء من مجلس جطو أو من جمعيات وهيئات مغربية متخصصة في الدفاع عن المال العام، مال الشعب ومال دافعي الضرائب، والذي لن يتم الكشف عنه إلا أمام جهات تحقيق مغربية، هذا أولا.
ثانيا، صاحب وكالة الأسفار الذي استفاد كثيرا من علاقاته مع عبد الله بوصوف والذي أصبح مليارديرا، لا يمكن أن يودع أمواله في أبناك مغربية لأنها أموال خائفة كما توصف في المخالفات المالية، ولابد أنه اختار لها فردوسا ماليا، لم تكن باناما كما فعل مسؤولون مغاربة قبله، بل اختار لها وجهة أخرى هي دبي، هذه المدينة العالمية التي يمتلك فيها إقامة فاخرة أو أكثر، ويقوم بالتردد عليها باستمرار، يستمتع بالمال، وبطبيعة الحال بنشر النموذج الديني الذي بشر به عبد الله بوصوف العالم، فالرجل رغم صلته المالية بالأمين العام لا يمكنه أن يخرج عن جبة شيخه “الإخوانية”. لكن المحير في الأمر هو أن تسمح له دولة الإمارات العربية بذلك، وهي المعروفة بعدائها لحركة الإخوان المسلمين ودعوتهم، ليقوم بكل أنشطته تحت أعين أجهزة استخباراتها وأجهزتها الأمنية. فحين يتعلق الأمر بأموال تنظيم فرع من فروع هذا “العدو الشبح” فلا مانع لديها من استقباله بالأحضان.
هل تأكدت الإمارات العربية من دوره الحقيقي داخل هذا التنظيم، أم أوكلت إليه بشكل أو بآخر مهمة أخرى داخله لصالحها أو لصالح أجندات أكبر من حجمها؟ من يدري؟ الله وحده أعلم بذلك، ثم ضاحي خلفان.
السؤال الذي أطرحه وبصوت مسموع هو: إذا استطاع صاحب وكالة الأسفار هذه من خلال إبرام عقد واحد مع مجلس الجالية أن يكوّن ثروة مالية تقدر بمليارات السنتيمات المغربية، ملايين اليوروهات في ظرف لا يتجاوز العشر سنوات، فكم عدد المليارت التي يكون قد كنزها عبد الله بوصوف الذي يمسك بمفاصل المجلس منذ 2007؟ وهل تنقلات هذا الشخص الكثيرة والمتتالية إلى دبي هي فقط لتهريب أمواله هو إليها أم أنه يصطحب معه أيضا نِسب الأمين العام؟ ولماذا لم تتم أبدا محاسبة هذه الوكالة على علاقتها المشبوهة بحسابات المجلس يوما، ولم تتم متابعة الأرقام التي لن تستطيع أبدا إعطاء أجوبة مقنعة عن دخولها حساباتها وخروجها منها، ولا تبرير كل فواتيرها أمام أصغر محاسب مغربي، ناهيك أمام محكمة مالية أو المجلس الأعلى للحسابات؟؟؟
نقطة أخرى يجب الإشارة إليها وهي: أسفار بعض مرتزقة بوصوف -الذين قد يتم نشر سجل سفرياتهم كله، والمغطاة تكاليفها ومصاريفها 100 % من طرف وكالة السفر هذه ليس فقط إلى المغرب، وليس فقط إلى الرباط في مناسبات محجة الرياض المتكررة بمناسبة وغير مناسبة، بل إلى أنحاء عدة من العالم، وخاصة منها إلى دولة الإمارات العربية المتحدة، بدعوى تنظيم متابعة أنشطتهم الثقافية هناك، وإقامة معارضهم الفنية “الوهمية”، ومشاريع تصاميمهم للساعات الفاخرة والغالية الثمن التي تعاقدوا بها مع شركات عالمية -كما يزعمون-، أليست مثل هذه السفريات غطاء آخر لنقل جزء من تلك الأموال إلى حسابات الإمارات -وهذه المرة من أوروبا وليس المغرب-، أو متابعتها هناك على الأقل، أو التواصل مع القائمين عليها هناك بشكل شخصي، بعيد عن كل وسائل التواصل الحديثة التي يمكن أن تكون مراقبة؟
كنت قد لاحظت قبل سنوات سفريات السيدة نزيهة المنتصر زوجة الدكتور عبد الله بوصوف أمين عام مجلس الجالية المغربية المقيمة بالخارج المتكررة إلى أوروبا، وكنت حينها قد أسررت إلى بعض أصدقائي المقربين بأن وراء سفرياتها الكثيرة “إن وأخواتها”، وقلت لهم مازحا إن وراء تنقلاتها “تحت الغطاء الديبلوماسي” ما وراءها، ومن يدري فلعلها تنقل مبالغ مالية مهربة في حقائبها. سلطت جريدة إلموندو الضوء على عمليات تهريب كبيرة تورطت فيها زوجة عبد الله بوصوف بشكل مباشر.
نفس السؤال أطرحه اليوم حول صاحب وكالة الأسفار هذه، وحول بعض ذباب بوصوف المقيمين ببلجيكا ودول أوروبية أخرى. لنتابع خط رحلاتهم، فقد ينكشف المستور قريبا، وقريبا جدا، بل وأسرع مما نتصور إذا تحركت ليست الجهات المعنية بتتبع المال المهرب فقط، بل وأجهزة مكافحة الإرهاب العالمي، لأن ما ظهر من تشابك السلطة والمال والولاء للتنظيمات القديمة والحنين إليها، وارتباطها بسوريا والإمارات وإسبانيا والمغرب، لا يجعل من هذه الشبكة إلا جزء الآيسبيرغ الذي يطفو على السطح، أما ما خفي فهو لا ريب أعظم.
واستشرافا مني لمستقبل قريب أقول: هذا إيلاف الشتاء، وموعدنا إيلاف الصيف.
-يتبع ربما-