قراءة في كتاب”النكبة الحداثة” للدكتور سمير مراد – ذ. عمر الشلح

0
417

مشاركة في وضع الحلول لمشاكل الأمة وأزماتها وظواهرها بعد تشخيصها بعناية، وإيضاح حقائق مجريات الواقع بموضوعية وإنصاف؛ يأتي كتاب “النكبة” لفضيلة الشيخ الدكتور سمير مراد الشوابكة أحد أبرز علماء الأردن، رئيس ومؤسس مركز الإمام أبو عبدالله الشافعي العلمي.
يعد الكتاب موسوعة علمية وفكرية لاحتوائه على كمٍّ هائلٍ من المعلومات والمفاهيم والمفردات الحديثة والمعاصرة؛ تناولها الشيخ المؤلف بطريقة علمية سلسة وبأسلوب منهجي بحثي، وصفا وتحليلا، تناول في طياته الأزمات بمختلف ينابيعها الفكرية والسياسية والعقدية والفلسفية، ونبش في جذور نشأتها وحدد جغرافية حاضنتها وأسباب تفاقمها، وبين شخصيات روادها ومتبنيها ولم يُغْفِل أسرار بقائها قبل أن يشرح سلبياتها وإيجابياتها ويوضح نتائجها وآثارها في مراكز نشوئها وأماكن انتشارها وتداول أجيال بعضها وتطور مضامينها ومن يستغلها ويغذيها ويكسب من ورائها.
المدارس الوضعية الكبرى التي مثلت الوجود الإنساني، مُؤدَّاها وما أدَّى لها، حضرت في صفحات الكتاب بصورة شديدة الوضوح من حيث الأهداف والرؤى والرسائل والغايات كل على حدة، وإيضاح موقف الشرع الحكيم منها وآثارها على واقعنا العربي والإسلامي والعالمي.
جوانب الروح والمادة تجلت في ما خطته أنامل المؤلف الجامع بشمولية وإيجاز لمكنونات البشرية وأنواع تفكيرها ومنتجات أفكارها كمعطيات للصراع والتسابق على النفوذ والسيطرة الديموغرافية والجيوسياسية، وما ولدته من تباين طبقي مستغِل ومستغَل، مع فحص بذور التشدد والإرهاب، الحداثة والإلحاد، الباطنية والمغالاة، الوجودية والثورية، الفنون الجميلة والرياضات البدنية والروحية، وآلات التكنولوجيا التقنية التي عبرها ومن خلالها تحقق الأهداف والغايات لقوى الخير والشر بمعية الإعلام المقروء والمرئي والمسموع، مع إشارات وإيحاءات لتأثير أدعياء الميتافيزيقيا والباراسايكلوجيا ومؤسساتهما الحديثة وأجهزتهما والشركات العابرة والمنظمات الفاعلة تحت وفي وفوق مصطلح الدولة المتعارف عليه اليوم.
بدأ المؤلف كتابه بمقدمة تحليل النكبة وانخفاض السقف وميلاد الفكرة وتضخم مفهوم الدولة وفكرتها مع تبيان مقترحات وتوصيات الخلاص والنجاة من مغبات النكبة، ثم تناول التاريخ السياسي العالمي موضحا أهميته والعلاقة بين التاريخ والسياسة وتأثير كل منهما مع علم الاجتماع على الدول والشعوب.. انتقل بشكل أكثر تخصيصا ودقة لتوضيح أطماع الصهاينة وادعاءاتهم ومعتقداتهم ووسائلهم وأدواتهم لتحقيق غاياتهم، مناقشا قناعاتهم ورؤاهم بموضوعية، مبينا النكبات العربية عامة والفلسطينية بشكل خاص مستدلا بحقائق تاريخية موثقة، وقفز قلمه سابرا أغوار الفكر والعاطفة متحدثا عن الوجودية الشيوعية العلمانية والليبرالية؛ مبينا مفاهيم ” الكلاسيكي، الطبيعي، الرمزي، الوجودي، السُّريالي، الكلبي، التصوفي، الخيالي، الرومانسي، البرناسي، الواقعي، البراكسيس، المونولوج، الرومانطيقي، العقلاني، الهرمونيطيقيا، الحداثي، الحتمية والجدلية التاريخيتان من وجهة نظر الاشتراكية، العبثي، الغنوصي العرفاني، الراديكالي، الأوبرا، خيال الظل، السيناريو، الصالونات الأدبية، البيروقراطية، مدرسة الديوان، أبولو، البرجوازية، التشريحية، السيمولوجية، الفن التجريدي، العقل الجمعي، النازية، الفاشية، الماسونية، اللاهوتية الانطولوجية، الامبريالية، الانثروبولوجيا، الكابالا، المتنورون والسفسطائيون، الموساد” وكثير من المصطلحات العلمية الحديثة والتاريخية.

كان لليسار الإسلامي نصيب في مباحث كتاب النكبة الحداثة، مذاهبه وقناعاته ومفاهيمه ومواقف الآخرين منه، مفصِّلا القضايا الداخلية للعالم الإسلامي، وأثر الاضطهاد العثماني للدول العربية والتتريك الممنهج، ثم الثورة العربية الكبرى بعد نظرة موجزة عن أرطغرل، ثم يأتي فصل الحداثة والحداثيون ابتداءً من تاريخ الحداثة في الغرب، وأساليب نشر افكارهم مع ذكر أسماء مجلاتهم ونواديهم ومضامينهما، وشخصياتهم العربية والغربية كـ” أدونيس، صلاح عبدالصبور، نوال السعداوي، محمود درويش، بدر شاكر السياب، سميح القاسم، محمد الجابري، محمد شحرور، نجيب محفوظ، جمال الدين الأفغاني، عبدالوهاب البياتي، نازك الملائكة، طه حسين، عبدالوهاب المسيري، محمد أركون، نصر أبو زيد، حسن البنا، أبو الأعلى المودودي، سيد قطب، تقي الدين النبهاني، أم

كلثوم، ليلى مراد، تقية إبراهيم، ناظم الغزالي، عبدالحليم حافظ، اسمهان، نزار قباني، فيروز، حزب التحرير”، وغيرهم كثير، إلا أن تناولهم كان بشكل وصفي نقدي موثق مع تبيان مدى التأثير سلبا وإيجابا في حياة مجتمعنا العربي والإسلامي.
الفصل الآخر تضمن فكرة التمثيل والغناء والمسرح والترفيه والرياضة في الوطن العربي، مع الذهاب لشرح التعصب مفهوما وأنواعا وحُكما وأضرارا، ختم الكتاب بالحديث عن حقوق الإنسان، وملخص بالغ الإيجاز.
وأنت تقرأ هذا الكتاب تشعر بأنك تعايش كل الشخصيات والأفكار والمعتقدات، بمزيج علمي مدهش، ربط بين التليد والطارف، القديم والحديث، الحضارة والمعاصرة، أسند المؤلف اقتباساته النصية لمصادرها، والمعلومات لينابيعها، والحقائق لمرجعياتها؛ محللا ومعللا حيثما يحتاج ويتوقع تساؤل القارئ، ولا يمكن معالجة معضلة وأزمة ومشكلة مالم نسبر أغوارها ونعي شواردها ومواردها، ونتحقق من منشئها ومآلها وآثارها.. لذلك أقترح أن يدرس هذا الكتاب في الجامعات لمتخصصي التاريخ والشريعة والسياسة والأدب والاجتماع، فقد بذل الشيخ المؤلف مجهودا علميا يستحق أن يستفيد منه الأجيال، والله من وراء القصد.
مضمون الكتاب: 306 صفحة.

رابط تحميل كتاب النكبة الحداثة:

https://sameershaf3y.com/wp-content/uploads/2020/01/%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%AF%D8%A7%D8%AB%D8%A9-%D8%A8%D8%AA%D8%B1%D8%AA%D9%8A%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%86%D8%A7%D9%88%D9%8A%D9%86-2.pdf

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here