في ضيافة عبد الله بوصوف، من ذكريات معرض الكتاب 16 – أحمد حضراوي

0
277

كل ما كان يعنيني وأنا أعود إلى مكان جلوسي هو أن أراقب ردة فعل مسؤولي مجلس الجالية، لا أقصد عبد الله بوصوف الذي انسحب من السهرة الأدبية منذ مدة أو السيد أحمد سيراج نائبه الذي كان منشغلا بالهمس في آذان بعض الحسناوات خارج القاعة وتبادل الضحكات معهن، بل من ظل يوهمنا باهتمامه بما يجري من استعراض للكلمة الصادحة بالحب وما يهم القلوب الشاعرة بسحر البوح لها من حناجر الألم.
كان المشهد صرخة في واد، فكل “الحشد الرسمي” كان هناك فقط ليسجل حضوره لا غير، حتى السيدة نزيهة المنتصر الذي غيرت مكان جلوسها واقتربت قليلا من صفي لتلازم إحدى ضيفات زوجها المدعوات أيضا من ألمانيا، شاعرة من نوع نصب الفاعل وضم المجرور ورفع المفعول به، وكل ما قاله أبو العلاء المعري والبحتري تخلفا شعريا، وما قلناه فقط الشعر. كانت تنظر إلي بين الفينة والأخرى من طرف عينها لتشعرني بدونيتي في هذا المحفل، وبأنني ما نلت إلا ما أستحقه من مكانة بين ضيوفها الأجلاء من الشعراء الحقيقيين. لم ألمها ولم ألم أحدا يومها، فقد كنت وحدي الملام الوحيد على كل ما جرى، ووحدي من يتحمل مسؤولية تلبية دعوة هذا المجلس المشؤومة، الذي يبدو أنه لا يفقه شيئا في الشعر والأدب، بل كل ما يستهويه هو الحديث في الأرقام والأرقام والأرقام فقط، وأشكال الاستثمارات، فالمال مهما كانت أسبابه هي همه الوحيد، ولو كان استثمارا في الدين. أما الشعر والأدب والإبداع عموما فلا يستثمر إلا لكي يركب آل بوصوف موجته، فيظهرو بمظهر الشعراء الذين لا مثيل لهم منذ عصر تأبط شرا وعروة بن الورد.
لم تفارق نزيهة للحظة نجمة الحفل التي تألقت بكل شيء يومها إلا بشعرها، تألقت بابتسامتها الوردية وعيونها الناعسة وتلويحات يديها التي حاولت أن تقلد فيها نجوم الأبسطة الحمر. كانت من “قبيلتها” هي أيضا، فكان لابد أن تحظى لديها ولدى المجلس بكامل الرعاية والاهتمام، وعقود الشراكات التي تستضيف بموجبها سيدة المجلس الأولى وتنظم لها أمسيات الشعر وعروض اللوحات بألمانيا.
يتمنى المرء أحيانا لو كان شبه مثقف ليحظى بما يحظى به أشباه المثقفين والشعراء من اهتمام، ويهتم بنصوص نساء المسؤولين وعلية القوم مراجعة وتصحيحا وتنميقا وإعادة صياغة، ولم لا يكتب لهن صراحة خواطر ونصوص متواضعة سرق معظمها من المنتديات القديمة التي مسحها الفايسبوك من عالم التداول والشهرة، أما أن يكون متميزا عن كل هؤلاء -حتى لا أقول أفضل منهم بكثير-، فإن ذلك قد يسبب له الكثير من المشاكل والعوائق، أهمها أنه يصبح غير مرغوب فيه في مثل هذه المحافل، لأن مستواه الذي تعب من أجل الوصول إليه وقارع لأجله اللغة منذ صباه ليلا ونهارا، وخربها تخريبه الجميل ليعيد بعث بنائها في نسقه الخاص، فجرم يعاقب عليه قانون مجلس الجالية “الخاص”.
انفض المولد، وكنت ما أزال متابعا له من مكاني لم أتزحزح عنه قيد أنملة، وحان أوان التقاط الصورة الجماعية كتقليد مثل هذه المجالس، التي ستؤرخ لهذه البهرجة لتصنف كإنجاز في سجل المجلس وآل المجلس، تأملت من تبقى في القاعة وهم يستعدون لالتقاط الصورة، ورأيت كثيرا من أصدقائي الذين ما حضروا إلا على شرفي وشرف شعراء الرابطة الآخرين يتوافدون من خارج القاعة. لم أتحرك من مكاني وأنا أشعر أني غير مرغوب في ظهوري بعد، غير أن نزيهة اقتربت مني وسألتني إن لم تكن بي رغبة في أن أنضم إلى الباقي، أجبتها بسخرية أنه لم يؤذن لي بذلك من طرف “منظِّمات الحفل”، التفتت بحرج نحوهن وأومأت إلى المتشاعرة الألمانية، فصرخت في من بعيد:
السي حضراوي تقدر تجي تتصور معانا.
شكرتها بصمتي، واخترت لي مكانا آخر الصف تقديرا فقط لضيوفي، وأعرضت بوجهي عن العدسة.

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here