بعد أقل من يومين على إعلان السلطات الألمانية اعتقالها مجموعة «يمينية متطرفة» كانت في صدد تنفيذ هجمات إرهابية واسعة النطاق ضد المسلمين ومساجدهم في ألمانيا، والتي وصفتها السلطات بـ«الخطط المروّعة»، قام أحد المتأثرين بالفكر العنصريّ الغربي المناهض للأجانب بعمليتين إرهابيتين باستهدافه مقهيين يرتادهما الأجانب في مدينة هاناو قرب فرانكفورت.
حصيلة الهجوم المسلّح الذي نفذه المتطرف كانت وقوع تسعة قتلى وعدد من الجرحى، انضاف إليها المهاجم نفسه، الذي يبدو أنه قام بالانتحار، كما وجدت قربه جثة أمه، وهو ما يعني أنه قتلها أيضا قبل أن يقتل نفسه.
التصريحات الصادرة عن السلطات الألمانية تحدثت عن «عناصر تدعم فرضية دافع كره الأجانب»، حسب النيابة العامة، لأن «عدة ضحايا من هم من أصل كردي»، واعتمدت النيابة العامة على رسالة اعتراف من 24 صفحة (إضافة إلى مقطع فيديو) يدعو فيها منفذ العملية إلى «إبادة عدة شعوب دول في شمال إفريقيا والشرق الأوسط وآسيا الوسطى» مستخدماً مصطلحات نازية، تنافح عن «الأعراق المتفوقة»، كما يتحدث عن وجود «مؤامرة بحق ألمانيا من قبل جهات خارجية».
قوبلت العملية باستنكار واضح وصريح من أعلى مستويات الحكم في ألمانيا، فوصفت المستشارة أنغيلا ميركل العنصرية بـ«السمّ»، وربطتها بمقتل السياسي فالتر لويكه الذي قتل على أيدي عناصر من النازية الجديدة لدعمه اللاجئين، موضحة بأن ألمانيا لا تفرق بين أعراق وأديان مواطنيها، وأعربت وزيرة العدل كريستيانه لامبرخت عن تعاطفها مع أهالي الضحايا، كما تم التعبير شعبياً عن أشكال من الاستنكار للعملية والتعاطف مع أرواح ضحايا، وقام مسؤولون أوروبيون عديدون بإبداء التعاطف، فيما حذرت منظمات وجهات إسلامية من جدية التهديدات التي يمكن أن يتعرض لها المسلمون، وأظهرت السلطات التركيّة اهتماماً شديداً بالمسألة حيث انتقدت التيارات اليمينية المتطرفة وطالبت بحماية المسلمين.
تعبّر ردود الفعل الألمانية والأوروبية السريعة، والتنديد السريع بالعملية والتعاطف مع ضحاياها، عن احترام السلطات لمواطنيها من أي منبت أو جنسية أو دين كانوا، وهي تظهر آليات اشتغال المجتمعات الديمقراطية القادرة على احتواء الصدوع التي يمكن أن يحدثها التطرّف وتيارات الكراهية، ولا يمكن بالتالي مقارنتها بأشكال «تفاعل» السلطات الاستبدادية التي ابتليت بها بلادنا العربية، في أي مجال من المجالات.
غير أن ذلك لا يمنع، بداية، رؤية التشابهات التي تجمع بين من يقومون بعمليات القتل الجماعي للمسلمين أو للأجانب عموماً، في أنحاء متعددة من العالم المحسوب على الحضارة الأوروبية، وبين من يقومون بعمليات القتل الجماعي باسم الإسلام، وهو الأمر الذي اشتهرت بتنفيذه تنظيمات مثل «القاعدة» و«الدولة الإسلامية»، فالمنفذون، رغم اختلاف الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية، يتشابهون في أشكال العطب النفسي الذي يجعل الجريمة ضد أشخاص لا يشبهون الجاني، أو لا يعتنقون فكره، أو لا ينتمون لدينه أو جنسيته أو عرقه، أعداء يجب إبادتهم والقضاء عليهم.
يظهر خلل التفريق بين «الإرهابي» الإسلامي و«اليميني المتطرف» الغربيّ، لو تم قلب المعادلة، فلو كان اسم المنفذ الذي قام بالعملية محمداً أو عليّاً، وكان القتلى هم أنفسهم الذين قتلوا في المقهيين الألمانيين، لتم حجز تهمة «الإرهابي» للمنفذ الذي ولد مسلماً، وتناقلت وسائل الإعلام هذه الصيغة بكل أريحية وراحة ضمير، أما وقد ظهر أن المنفذ هو «توبياز» فقد هبط سلّم التسميات إلى «متطرّف يميني»، وبذلك ضمن المنفذ، لو نجا من الموت، أشكالاً من المعاملة القضائية والإعلامية والسياسية المختلفة عن نظيره «الإرهابي».
تشير هذه الظاهرة إلى عطب هائل في منظومة القيم السياسية الغربيّة التي تفرق بين المجرمين وتدرجهم في طبقات حسنى أو سيئة حسب مكان الولادة، أو الدين، أو الفكر السياسي، وهو ما يفكّك عمليا معاني التصريحات ويقلل من وزنها الأخلاقي والسياسي، ويجعلها تصبّ في طاحونة الإرهاب نفسه الذي تدعو للقضاء عليه.