Home Slider site في ضيافة عبد الله بوصوف، من ذكريات معرض الكتاب 8 – أحمد...
في الواقع أنا أتابع منذ شهور طويلة بل وسنوات خط نشاطاتكم، وكيف انتقلتم من تنظيم الأمسيات الشعرية إلى الندوات، ليس فقط الثقافية بل والفكرية والصوفية أيضا وهذه أعتبرها قفزة نوعية كبيرة، ولو تسنى لكم دعم مناسب واحتضان كبير لشكلتم نواة منبر فكري مهم في أوروبا، ونحن في أمس الحاجة لطاقات مثلكم. لأنكم وكما تلاحظ السي أحمد -واقتصر على توجيه الخطاب لي- وكأنني وحدي ضيفه فقط، هناك مواضيع كثيرة وقضايا مهمة لم تستطع أطياف عدة في أوروبا ملامستها أو الاقتراب منها، عكسكم أنتم الذين وضعتم أصبع وعيكم عليها مباشرة. لذلك فإضافة إلى متابعة نشاطكم الشهري، كنت دائما أبحث عن شركاء فعليين لتدبير مجموعة من الأطروحات الفكرية من خلال تصورنا نحن كجالية لها، ومستعدين أن نبذل كل إمكانياتنا من أجل تحقيقها.
-مثل ماذا سيدي؟
مثلا ملتقيات نجمع لها مجموعة من الأطر لتجسيد الشعر والفكر والندوات، ولم لا إدماج وصلات فنية لجلب شتى توجهات الجالية؟
تفضل هذا مشروع ملتقى أوروبي ثالث، أنجزنا في المقهى الأدبي دورتين منه بصفر دعم، ولكم أن تتصوروه إذا توفر له بعض الاهتمام، لقد استطعنا من خلاله إنجاز ما عجزت عن إنجازه دول بكافة إمكانياتها في أوروبا.
ألقى عليه نظرة متأنية، وتفحص حجمه المادي والمالي ثم قهقه ساخرا، إن ميزانية هذا المشروع الثقافي نحن نصرف ضعفها لمشاريع لزملائكم بمناسبة أنشطة فنية بسيطة، فكيف بالأحرى بمشروع ثقافي كبير مثل مشروعكم:
نظرت إليه بجدية فقد تبين لي أن لهذا الشخص رغبة فعلا في دعم مشروع كبير وسألته:
– هل لك أن توضح لنا أكثر فيما تفكر سيد بوصوف؟
– أنتم تعلمون لا شك أن هناك إرهاب إسلامي في أوروبا للأسف رموزه شباب مغاربة، خدعوا بفتاوى وهابية لا تمت لأشعريتنا بصلة، لذلك كنت دائما أبحث عن رؤية ثقافية في اتجاه تأطير ديني نموذجه التدين المغربي:
– كان يقصد إنشاء مؤسسة دينية في بلجيكا -مركز شارلروا مثلا- أو بالأحرى بقرة حلوبا على غرار مسجد ستراسبورغ الذي يذر عليه آلاف اليوروهات، التي تتجول في حسابات أوروبية يدخرها لنفسه وأهله لساعة عسرة أو هجرة كاملة نحو مدينة أحلامه السابقة.
– نظرت إليه بثقة، وانحنيت نحو محفظتي التي لم تفارقني منذ مجيئي إلى المغرب، وسحبت منها ملف مشروع اشتغلت عليه أنا وزملائي منذ مدة وضعته بين يديه، هو مشروع مركز ثقافي ديني في شكل حداثي لم يطرحه أحد قبلنا بصيغته تلك ورؤيته، عبارة عن مجلس صوفي حداثي يتسع للمسلمين والمسيحيين واليهود، والدينيين واللادينين، أساسه الإنسان كقيمة عليا، ونقطة لقاء كل مكوناته الحرية، أي تصوف بشكل منفتح على الناس لمحبة الله وسبل الوصول إليه من خلال المعرفة والتبين، وليس الجهل والتقليد والانكفاء على التأويل المتعصب أو الخاطئ.
– نظر إلي أولا ثم إلينا جميعا وأردف دون أن يشعر باندفاعه: وصوفيون أيضا؟ هذا ما كنت أبحث عنه تماما ولم أجد من يستطيع المضي معي قدما في تحقيقه، وأنا معكم في هذا المشروع، بل وأبصم عليه بالعشرة. والغريب أني ما حدثتكم في مشروع إلا ووجدتكم جاهزين به، دارسين له، ملمين به، حاصرينه أسود على أبيض.
– لكن “السي بوصوف”، فقط لإخبارك، نحن لم نكن أبدا ننوي طرح هذا المشروع عليك لأن ميزانيته أكبر من أن يستوعبها المجلس، هذا مشروع دولة وليس فقط مؤسسة، عرضناه عليك فقط لأنه جاء في سياق الحديث، مشروعنا الذي نوينا طرحه عليك هو مشروع تطوير دورات المقهى الأدبي، وعلى أكثر تقدير ملتقى ثقافي سنوي.
– لا لا لا تهتم لهذه التفاصيل السي احمد، المقهى الأدبي لا يتطلب إلا الفتات من الدعم، أنا أتكفل بهذه المشروع تحديدا-احسبوه علي- وأقول لكم وهذا عهد على نفسي أعهد به إليكم: حتى إذا لم يدعمه المجلس فسأدعمه أنا بنفسي، لدي طرقي لإيجاد الدعم الكامل له.
لا يمكن أن يتصور أحد مدى فرحتنا برد فعل بوصوف على مقترحات مشاريعنا، ولا يمكن أن يتصور كم شعرنا حينها بأن مرحلة تهميشنا قد انقضت وولت إلى غير رجعة، وأن مرحلة عبث الجالية بالثقافة والروح قد ولت، وقد وضعت “الدولة المغربية” يدها في يدنا في شخص أمين إحدى مؤسساتها الدستورية، المخصصة لنا نحن كجالية لنخطو معنا نحو تأسيس جيل جديد من مغاربة العالم، من خلال بناء هويته العقلية والفكرية والروحية، هوية على أسس حداثية جديدة.
كنا تحت تأثير وعود الرجل المعسولة، ولم نكن على بينة بأننا أمام أكبر لص للأفكار والمشاريع قابلناه في حياتنا، يحمل للأسف جنسية بلدنا المغرب روحنا فداه.