Home Slider site في ضيافة عبد الله بوصوف، من ذكريات معرض الكتاب 6 – أحمد...
لا أتذكر كمّ الاعتذارات التي قدمتها لزوار المعرض يومها ولعابري السبيل، وأنا أحاول أن أعثر على أحد أعضاء الرابطة الذي لم يجبني على الهاتف وقد هاتفتهم جميعا حتى نلتقي أمام المدخل الرئيسي، تفاجؤوا جميعهم من نوعية ترتيب المواعيد البوصوفية، فقد كان بمقدور السيد أمين مجلس الجالية أن يرتب لنا زمن لقائه بوقت كاف، قبل يوم مثلا حتى نكون قريبين من مكتبه الفندقي، وتكون لنا مساحة كافية من الوقت لنعرف ماذا يريد منا وقد صرفت من أجل استقدامنا إلى البيضاء مبالغ كبيرة، خاصة إذا عرفنا أن عدد المدعوين من الخارج قد تجاوز الـ300 شخصا، بكل ما تكلف ذلك من تذاكر طائرات وإقامة بأفخم فنادق الدار البيضاء وأكل وشرب وتنقل وغيرها من المصاريف؟
كنت أعلم أن أحد أعضاء الرابطة إذا دفن أنفه بين دفتي كتاب فإنه يضع هاتفه على الصامت، وحتى إن شعر برجفته الخفيفة فإنه لا يتجاوب، قطعت أرجاء المعرض طولا وعرضا واعتذارا للمارة حتى عثرت عليه في رواق أدركت من خلال معرفتي به أنه سيكون متواجدا فيه، فهو يعشق الكتب الفلسفية خاصة مؤلفات علم الكلام وكتب الصوفية من أمثال بن عربي، فوجدته مستأنسا بالحديث مع صاحب الرواق حول شراء مجموعة كتب منه.
استنفرته وقد استغرب بدوره لنوع المواعيد هذه، ولم أنجح في إقناعه بمرافقتنا إلا بصعوبة بالغة، لحقنا بصاحبيْنا أمام مدخل المعرض واضطررنا إلى اقتناء سيارتي جرة بعد لأي لكثرة الطلب عليها يومها، ووصلنا الفندق وقد تصبب العرق منا رغم اعتدال الجو الشتائي.
كان الأمين العام في اجتماع مع إحداهن، مبدعة من مبدعات المهجر المتخصصات في تغيير صور البروفايل ووضع صور الأمسيات والندوات التي تنظمها بأوروبا -حسب الصور التي تنشرها دائما- والتي لم نر لها يوما أثرا على مستوى كتاباتها أو مداخلاتها في ما تقوم بتنظيمه أو تدعي حسب الصور التي تنشرها دائما. ثم فتح لنا باب المكتب ليستقبلنا الأمين العام وقد زين وجهه بابتسامته المعهودة.
كان المكتب عبارة عن غرفة فاخرة (suite) من غرف الفندق في طابق علوي، وكانت ستائر الغرفة مسدلة جميعها، رحب بنا ترحابا كبيرا وبدأ بإزاحة الستائر كي لا تحجب النور إلى الداخل وقدم لنا كؤوس شاي، وبدأ في ترديد -نفس الكلام- الذي اعتقدنا حتى مرحلة ما من الحديث يردده على كل ضيوفه.
بعدما اعتدل جيدا على كرسي مكتبه استرسل يخطب فينا:
أتابع باهتمام أنشطة المقهى الأدبي الأوروعبي، وهي لاشك طفرة ثقافية غير مسبوقة منذ سنوات عدة، وأحيي استمرارها وعدم تشتتها وهذا أمر لم نعهده في كثير من نشاطات مغاربة الخارج ولا حتى في نشاطات الداخل صراحة التي تعاني من انشقاق تلو الانشقاق، وكثير من هذا الكلام المرسل حتى وصل إلى مربط الفرس، ألا وهو نريد أن نشتغل معا وكما وعدت “السي احمد” -يقصدني أنا- خلال آخر لقاء لي به وعبر تواصلي المستمر معه، بأن المجلس يريد أن يكون جزءا من مشروعكم بل وكل مشاريعكم، بل ويتحمل كل ما تحتاجون إليه من دعم ولوجيستيك.
ناقش كل فرد منا على حدة بعدها -وقد تفاجأنا صراحة من أهمية العرض- وكأنه يريد جس نبض لحمتنا وإسالة لعابنا، فأجبناه بكلام عام دون الغوص في التفاصيل، غير أنه حين تخطى تلك الاستراتيجية للغوص في تفاصيل “الصفقة” التي حاول تمريرها لنا بكثير من الإغواء لشيء في نفسه، اصطدم بنباهة أعضاء الرابطة فقطعوا عليه مناورته إما بجواب من قبيل: “هذه مسألة يفصل فيها أحمد حضراوي باعتباره رئيس الرابطة”، أو “سيصلك ردنا بعد أن نستشير في الأمر ونعالجه من شتى الوجوه”.
أدرك أن لا ثغرة يمكنه فض المولد من خلالها، فانتقل إلى مناورة أخرى بل تكتيك آخر.