أبو العريف
من أنا ؟
صيدلي صغير ليست لي هذه السطوة، السطوة الشديدة لهذا الرجل، الذي يدعي مهنة الطب، برغم كونه عاملا بسيطا في وحدة صحية حقيرة..
لا أعلم من أين أتت سيطرته على عقول وقلوب الناس، كأنه وصي على صحتهم، فكثير من الناس يعتقدون فيه، وله كلمة مسموعة..
وعندما فتحت صيدليتي ناصبني العداء، ولست أدري لماذا ؟
ومع ذلك كنت أتحاشاه بقدر الإمكان، ولا أذكره إلا بالشكر وعدم انتقاصه، وتقريبا والله أعلم هذا ما أطمعه فيّ،
فلا أذكر إلا وهو ينتقصني في مجالسه، وكنت أغض الطرف مخافة أن يؤثر موقفي على لقمة عيشي وعملي..
آه يا لقمة العيش، كم من الهوان رضيناه من أجلك، وكم من قبيح قلنا له أنه بدر البدور بسببك… ملعون لقمة العيش، إلا مغمسة بالذل.
وأرجع تاني القهقرى وأسكت.. وبرغم أميته الشديدة، فقد كان يعرف بعض الحروف الإنجليزية..
وفي يوم كتب لي بعض أصدقائي الأطباء حديثي التخرج روشتة، فيها باللغة الإنجليزية : (any Anti inflammatory amp)، يعني أي أمبول للالتهاب، فأعطيت له أمبول فولتارين.. وطبعا لأنه المتخصص الوحيد في ضرب الحقن، وبعد قليل وجدت ظلة من الناس يقودهم الزنبور وهو هائج حاشيا رابيا،
دخل علي والشرر يتطاير من عينيه، لو صادف جبلا لأحرقه وزلزله،والناس يتهيأون لمعركة حامية الوطيس..
وبصوت جهوري خاطبني : كيف يا أستاذ، تعطي المريض الغلبان علاجا خطأ، العلاج هذا خطأ، فالدكتور كتب أول حرف aaaaaa وانت أعطيته أمبول أول حرف v
ماذا تريد أن تفعل ….؟ تريد أن تقتل هذا الغلبان ؟
وجاءت لحظة الانتقام لنفسي، ولقشور العلم الذي نمثله،
وقلت له : هل فهمت ما في الوصفة ؟
قال : إههيه طبعا !!!!!!!!!!
قلت له بأدب : المكتوب في الوصفة معناه أي أمبول للألم أو الالتهاب.. يعني أن الدكتور يقول يا بني آدم، يا صيدلي، أعطه أي حقنة للألم … وعلا صوتي بالتدريج
لأن any بمعني أي، وanti معناها ضد، وinflammatory معناها الالتهاب..
فعلت وجهه الرحضاء، وتصبب عرقا، وانكسر كسرة عظيمة، مثل كسرة علي بك مع محمد بك أبي الدهب،
ولم يعد يقابلني إلا مطأطأ الرأس يجر أذيال الخيبة.