يومياتي مع كورونا في شيكاغو “9”_ هناء عبيد

0
298

يومياتي مع كورونا في شيكاغو

نزهة تحت المطر/ رحلة جامعيّة.
2020/04/30
٩

   أحب التحليق في الفضاء، لا بد أن أغادر المنزل ولو لفترة خمس دقائق، لأتنعم بأشعة الشمس المجانية ونسيم الهواء المنعش، حاصرني الجو مع كورونا، المطر استمر في الهطول، راقبته بشغف إلى أن توقف، وجدت في ذلك فرصة للخروج، ما أن مشيت خطوتين حتى انهمر ثانية، لم أسارع خطواتي إلى البيت، بل مشيت بكل سعادة تحت هذه النعمة التي جعلت لون الأشجار نضرًا، تسحرني ألوان الطبيعة، فكيف بها وقد اغتسلت من غبار الأرض وأدران البشر، اللوحة اكتملت حينما بزغت الشمس من بين الغيمات؛ مطر شيكاغو غريب، يرشق قطراته دون سابق إنذار، ويتوقف بغتة بعد أن تتفرق غيماته وتفتح طريقًا للشمس.
لو أصبحت يوما أحد منظري التنمية البشرية، لن أملأ الزجاجات بالهواء، بل سأنصح الناس وأقول لهم بأعلى صوتي: أمسكوا الشمس بأيديكم، لا تدعوا ذرات الهواء تفلت من جحر رئتيكم.
أنا لا أستبدل الخبز بالبسكويت كما فعلت ملكة فرنسا ماري أنطوانيت، فأنا أعلم تمامًا أن هناك من يسكن الشقق المخنوقة، لكن حاولوا أن تجعلوا نوافذها متنفسكم، افتحوها على مدى اتساعها.. أما إن عجزت عن اجتلاب أشعة الشمس ومرور ذرات الهواء من خلالها، فلا حيلة حينها لكم غير التذمر على من سن قوانين التهوية التي خنقت المسافات بين الأبنية..

عدت إلى صفحات الفيس بوك والأخبار،

يقول الممثل جيم كاري:
“لا أستطيع أن أواجه حقيقة أنّي كبرت، ويجب أن أتوقف عن التفاهة!!”
وأقول: معك حق يا كاري؛ التفاهة أحيانا سعادة حينما لا تؤذي أحدًا، قد تكون التفاهة نسبية أيضًا، مارست اليوم أحد طقوس التفاهة كما يراها البعض، قمت بدندنة أغنية من الذاكرة بصوتي النشاز، تعالت ضحكة ابنتي وضحكتي، عاد بي ذهني إلى أيام الجامعة وبالتحديد إلى رحلة علمية.
في ذاك اليوم وبينما كانت الحافلة تسير بنا، وضعت سماعتين على أذني، وبدأت بالغناء مع الإسطوانة بصوت عال دون علمي، فقد كانت الموسيقى تستولي على سمعي بحيث غطت على صوتي، فجأة وجدت الوجوه تنظر لي باستغراب ودهشة، توقفت عن الغناء وأزلت السماعتين عن أذني لأتحقق من الأمر، فإذا بصديقتي بجانبي تقول: (هناء ليش بتغني بصوت عالي)، أدركت حينها أن صوتي قد وصل إلى آخر الحافلة، يوم محرج لي، أفسد علي التنعم بجمال الرحلة، الخجل الذي لازمني حينها جعلني أتمنى أن تفتح الأرض باطنها وتبتلعني، أو أن تزخ السماء على وجهي قناعًا ليتلاشى حرجي.
الآن تعود بي الذاكرة إلى هناك، أرويها لأبنائي، فيضحكون وأضحك معهم عاليًا، هل ستكون أقنعة وكمامات كورونا ذكرى مضحكة في يوم ما؛ أتمنى…

حاكم ولاية إلينوي مدد الحظر اليوم حتى نهاية مايو رسميًا؛ ومع التمديد الجديد تجددت بعض القوانين، فمن يخرج إلى العمل الذي لا يقع تحت مسمى الضروري سيدفع عشرة آلاف دولار غرامة، ومن يرى أي شخص اخترق القانون عليه إبلاغ الجهات المعنية.
لا أظن بأن أيام كورونا ستكون ذكرى جميلة يومًا، ربما سيتجاوزها البعض أو الجميع عند حديث الذكريات..
غدا حتما ستشرق شمس جديدة..
إلى اللقاء..

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here