يومياتي مع كورونا في شيكاغو
بين ماضٍ وحاضر
2020/05/19
٢٦
يعتقد أبناؤنا بأننا ولدنا كبارًا، وأننا لم نمزح يومًا كمزاحهم في صغرنا، أحاول دومًا أن أتماشى مع تفكيرهم وعمرهم، أحيانًا أنجح، وأحيانًا أخرى يتصيدون زلاتي فيضحكون، اليوم حاولت صغيرتي أن توقف المكنسة دون سند، تابعتها بفضول، باعتبار أنني أتماشى مع أعمار أبنائي (وترنداتهم)؛ وقفت المكنسة بوضع عمودي دون أن يسندها شيء، فسرت لي ابنتي الأمر بأنه توازن وليس كما أشيع بهتانًا عن وكالة الفضاء الأمريكية ناسا، التي قيل بأنها نشرت معلومة مفادها بأن “المكنسة ستقف عموديًّا في يوم واحد فقط هو يوم الإثنين 10 فبراير/شباط، بسبب قوة الجاذبية الأرضية التي تزداد نتيجة محاذاة الكواكب لبعضها مع اكتمال القمر في هذه الليلة”.
بدا منظر المكنسة غريبًا، حثني على حفظه بصورة؛ استمعت إلى صغيرتي، قالت: علينا دومًا عدم تصديق ما تنشره وسائل الإعلام، فكما ترون، المكنسة يمكنها الوقوف في أي يوم من العام وليس كما أشاعوا، قد يكون وقوف المكنسة أمرًا تافهًا، لكن فيه موعظة. فأخبار كورونا مثلًا، علينا تدقيقها قبل نشرها؛ علينا تنقيحها من الكذب والتدليس وتخبط المعلومات، الناس تقوم بالنشر دون الرجوع إلى الحقائق، تنتشر الفيديوهات ويتم نسبها لأشخاص بعضهم غادرنا قبل عقود.
أترك خطاب صغيرتي وأشرد قليلًا في رحلة عمرنا التي تبدأ بالهوس والشغف ببعض الأمور، وتنتهي بالتخلي عنها في يوم ما؛ تلتصق بنا فقط الأشياء التي تسكننا ولا يمكننا هجرها مهما تقدم بنا العمر؛ فترافقنا إلى آخر محطة نستطيع الوصول إليها، فكيف للحب مثلًا أن يغادر أرواحنا؟! وكيف للروح الجميلة أن تفارقنا؟!
أحلام تولد، وأخرى تموت، عمر يمضي وآخر يتجدد، نتوق دوما لسنين الشباب متناسين أن لكل عمر بستانه الخاص، فقد تينع الورود بنضارة أكبر في منتصف العمر.
نمارس لعبة شد الحبل دون وعي، عجلة الحياة تأخذنا إلى حيث يجب أن نكون، فنشد الحبل للوراء، وحينما نتعثر يشدنا الحبل ثانية إلى مكاننا الطبيعي، لن يفهم أبناؤنا تلك المعادلة، ولن ندرك نحن قدر أماكننا، سنظل نتأرجح بين عمر مضى، وحاضر ماثل أمام أعيننا.
لماذا لا ندرك أن كل محطة من عمرنا تتسلق جدرانها عرائش ياسمين؟! فإما أن نسقيها بقناعتنا ورضانا وإما أن نتركها تتساقط فتدوسها أقدام الإهمال؛ العمر محطات، علينا النزول إليها في الوقت المناسب وإلا داسنا قطار العمر دون شعور. ترى ماذا ينتظرنا في محطة الكورونا؟! هل تتسلقها أغصان ياسمين تنتظر أعناقًا غضة لتطوقها بالزهور؟! أم ستتساقط الزهور قبل قطافها؟!.
سأقول: الأمس جميل وغدًا أجمل?