Home Slider site وَهْمُ الدَّولَةِ العَادِلَةِ وَهَمُّ العُزْلَةِ القَاتِلَة – شكوح عزوز
واكتملت الهزيمة على كل الأصعدة، فشل في انتقال ديموقراطي حقيقي، وفشل في مجال الصحة والتعليم والرياضة وغيرها. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: كيف يستمر هذا النزيف، رغم الميزانيات الهائلة المرصودة لهذه القطاعات؟ أين تفعيل الجهوية الموسعة في التوزيع العادل للمشاريع التي تهم هذه القطاعات الحيوية على الصعيد الوطني؟ أين سياسة الحكامة الجيدة في بلورة وإنشاء وبناء وإنعاش هذه المشاريع في المدن والقرى المهمشة، في أحراش جبال ومداشر المغرب المنسي العميق؟ أين سياسة الأولويات في خلق توازن بين المركز والهوامش، بين المدينة والقرية، بين المغرب النافع لأهله المنتفعين به، والمغرب غير النافع لسكانه المكتوين بنار جفافه وإحباطاته ومعاناته على مر عقود طويلة؟
إن سياسة البر والإحسان والمن والجود والسخاء الموسمي، التي تنهجها الدولة بمؤسساتها الخيرية العاجزة، كلما حل فصل الشتاء ببرده القارس وصقيعه الشديد، وثلوجه ورياحه الهوجاء، سياسة فاشلة ومهينة في ذات الآن لشريحة كبيرة من المواطنين، لم يختاروا ظروف عيشهم بأنفسهم حبا وطواعية في جبال وسهول وهضاب ووديان وصحاري، بل وجدوا أنفسهم في قلب طاحونة الحياة القاسية تطحنهم، وفي مهب ريح شظف العيش الجارف تذروهم في فراغات الضياع القاتلة.
كم أمقت هذه السياسة المسرحية البليدة والسخيفة، التي تريد أن توهمنا أنها تسعى لفك العزلة عن هؤلاء. بأي معنى؟ وبأي وسيلة؟ وبأي طريقة؟ وبأي مبادئ؟ وبأي دعم؟
إنه ضحك على الذقون وذر للرماد في العيون، لكي لا تذهب بعيدا بنا الظنون، ويركبنا وهم الدولة العادلة. ليست هناك دولة في العالم لا تحترم نفسها، إلا المغرب الذي ينهج سياسة الصدقات والأعطيات الهزيلة، على مواطنين في الدرك الأسفل من التنمية بكل تجلياتها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، صدقات عبارة عن قالب سكر بما يحمله هذا التعبير في تراثنا الشعبي من معاني (الشمتة والحشية)، وزيت وشاي، لا تسمن ولا تغني من جوع، لا تكفي لأسبوع واحد، و(كْوَاشْ)وبطانيات، لا تحصل منها كل أسرة مهما كان عددها، إلا على واحدة، لا تكفي لتگماط رضيع صغير، لردع غيلان صقيع وبرد الجبال الفتاكة. توضع كلها في أكياس علف البهائم والحيوانات. هذا إذا حصلت عليها فعلا، في ظل المحسوبية والزبونية، وحسابات الانتماءات الحزبية الضيقة، والولاءات الانتخابية المقيتة.
إنه فصل المسرحيات، وعروض الدولة الظالمة، في مدارات عزلة المغرب غير النافع القاتلة، إذ تجيش جيوشا من الممثلين البارعين، للقيام بأدوارهم في إظهار محاسن الدولة المحسنة، جيوش من العمال والقياد والشيوخ والمقدمين والموظفين وأهل الفن والمسرح والطرب والغناء، والأبواق الإعلامية المدجنة، والمسخرة لخدمة سياسة التلميع والتضبيع، وطمس الحقائق.
إنه لشيء مقرف ومحزن ومبكٍ ومكروه، أن يسوق إعلام الدولة فرحة كاذبة، ارتسمت على محيا هؤلاء المواطنين الأشباح، وهم يتسلمون فتاتا، لايليق بكرامة المواطن المغربي، والمواطَنَةِ الحقة، وأن يرسم صورة وهمية لكائنات هدها الفقر والجوع والترحال، وظروف العيش القاسية، وهي تعبر عن رضاها وسعادتها وقناعتها بالقليل. في الوقت الذي تجد فيه جيشا عرمرما من سراق الشعب، يعيشون في بحبوحة العيش، لا يطالهم لا زمهريرُ بردٍ، ولا حرُّ صيفٍ، يستمتعون بالحياة في ڤيلاتهم ودورهم الفاخرة، المكيفة بأحدث المكيفات، والمجهزة بأحدث التجهيزات. لايحملون هَمّ الغد، ولا هَمّ مصاريف الأكل والشرب وتعليم أولادهم. كل شيء متوفر لديهم، وحتى إن احتاجوا إلى من يخدمهم، ويقوم بواجب السخرة لهم، ويوفر لهم أسباب الراحة والاستجمام والاسترخاء ، فلهم في صبايا “لعروبية”، ومجتمع القاع،
وفتياته الفقيرات ما يحتاجونه، مقابل فُتاتٍ يرمونه لآبائهن وأمهاتهن آخر كل شهر، مع تجربة استعباد وإذلال ومهانة، تجعل الحليم فيها حيرانا.
السؤال يا سادة: متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا؟