هِجَائِيَّةُ المُقْتَدِرْ لِكَسْرِ مِنْشَارِ الشِمَّرِي الْمُعْتَذِرْ _ الشاعر يحيى الشيخ

0
173

3

«نَيْزَكُ التَّبْلِيغْ عَنْ فَضَائلِ شَمَالِ إِفْرِيقْيَا وَأَسْيَادِنَا الْأَمَازِيغْ»
(أَوْ هِجَائِيَّةُ المُقْتَدِرْ لِكَسْرِ مِنْشَارِ الشِمَّرِي الْمُعْتَذِرْ)
ــــــــــ شعر يحيى الشيخ ــــــــــ

«لا يُحِبُّ اللهُ الْجَهْرَ بَالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَنْ ظُلِمَ، وَكَانَ اللهُ سَمِيعًا عَلِيمَا» (سورة النساء، الآية 148).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نص القصيدة:

ظَنَنْتُ أَنَّ فُهَيْدَ الشِمَّرِي حَارَا
 لَمَّا بَعَثْتُ لَهُ فِي اللَّيْلِ أَشْعَارَا!

كَـتَبْتُ عَنْهُ كَلامًا قَضَّ مَضْجَعَهُ
 وَفِي الصَّبَاحِ شَكَا واسْتَلَّ مِنْشَارَا

كَأَنَّهُ لَمْ يَجِدْ مَصْلاً يُهَدِّئُهُ،
 مِنْ نَزْوَةٍ بَاتَ طُولَ اللَّيْلِ مُحْتَارَا

وَكَالْبَعِيرِ غَدَا يَرْغُو بِشَاشَتِهِ
 يَسُبُّ يَلْعَنُ خَلْقَ اللهِ مِجْهَارَا

مِنْشَارُهُ بِيَدٍ يَحْكِي بِخُبْثِ فَمٍ
كَمَا مُسَيْلِمَةُ الْكَذَّابُ أَخْبَارَا

يَقُولُ إِفْكًا وَيَأْتِي بِالنَّقِيضِ لَهُ
 تَرَاهُ مُرْتَبِكًا فِي الْبَثِّ ثَرْثَارَا

رَوَيْتُ قِصَّتَهُ لِلْعَاقِلِينَ هُنَا
 فَأَنْكَرُوا فِعْلَهُ الْمَذْمُومَ إِنْكَارَا

أَمَّا الْأَمَازِيغُ خَيْرُ النَّاسِ فِي بَلَدِي
كَسَائِرِ الْعُرْبِ قَالُوا النَّذْلُ قَدْ جَارَا!

هَذَا فُهَيْدُ لَحَاهُ اللهُ يَنْعَتُنَا
 بِالرُّومِ،إِنَّ فُهَيْدًا صَارَ جَبَّارَا!

نَحْنُ الْأَمَازِيغُ نَحْيَا الْعِزَّ فِي وَطَنٍ
 بِمَغْرِبِ الْأُسْدِ لَسْنَا نَحْنُ أَشْرَارَا!

والرُّومَ لَسْنَا، وَلَسْنَا كَالْمَجُوسِ وَمَا
 نَحْنُ الخَلِيجُ، سَنَلْقَى اللهَ أَخْيَارَا

كُنَّا بِمَكَّةَ أَنْصَارًا وَحِينَ هَوَتْ
قُرَيْشُ صِرْنَا بِأَرْضِ الْقُوطِ أَنْصَارَا

وَطَارِقُ بْنُ زِيَّادٍ كَيْفَ يَلْعَنُهُ
فُهَيْدُ، لَوْلاهُ كَانَ الْغَرْبُ مِقْفَارَا!؟

إِنَّا رَفَعْنَا لِهَذَا الدِّينِ رَايَتَهُ
 نَحْنُ الْأَمَازِيغُ عَزْمًا ثُمَّ إِصْرَارَا

فَلْتَفْخَرُوا إِنَّنَا صُنَّا عَقِيدَتَكُمْ،
 لَوْ لَمْ نَكُنْ لَمْ تَكُونُوا الْيَوْمَ أَحْرَارَا!

وَالْحَجُّ، مَكَّةُ لَوْلانَا لَمَا عَمَرَتْ
 إِذْ أَنْتُمُ تَقْصِدُونَ اللَّهْوَ وَالْبَارَا

وَلَيْسَ فِي سَفَرٍ رَتَّبْتُمُوهُ تُقًى،
 مِسْيَارَ حَجٍّ وَإِلاَّ كَانَ مِسْفَارَا
*****
يَا شِمَّرِيُّ تَظَلُّ الْعُمْرَ فِي تَلَفٍ
 تَرَى الْعُرُوبَةَ فِي شِدْقَيْكَ أَخْطَارَا

وَتَدَّعِي لَيْسَ فِي الْأَعْرَابِ غَيْرُكُمُ
 وَأَنْتَ تُخْطِئُ نُطْقَ الضَّادِ تَكْرَارَا

تَأْتِي بِقَوْلٍ وَتَلْغُو ثُمَّ يَقْطَعُهُ
 مِنْشَارُ فِعْلِكَ، هَا قَدْ صِرْتَ جَزَّارَا

وَكَمْ تَبِيعُ بِسُوقِ الْعُرْبِ فَلْسَفَةً!
 قُلْ كَيْفَ صِرْتَ بِسُوقِ الْعُرْبِ عَطَّارَا؟

يَا شِمَّريُّ لَأَنْتَ الْفُحْشُ، مَا وَلَدَتْ
 نِسَاءُ مَكَّةَ خُنْثَى خَلَّفَتْ عَارَا!

حَاشَا، لَأَنْتَ لَقِيطٌ وابنُ عَابِرَةٍ
 وَلَسْتُ أَبْغِي لِقَوْلِي فِيكَ أَعْذَارَا

قَدْ خُنْتَ مَكَّةَ وَالْإِسْلامَ فِي جُمَلٍ
 حَتْمًا سَتَبْقَى عَلَى الْأَرْكَانِ أَسْتَارَا

يَظَلُّ يُسْقِطُهَا الْمِيزَابُ مُمْتَعِضًا
 لَمَّا تَجُودُ سَمَاءُ اللهِ أَمْطَارَا

اَلْأَرْضُ حَوْلَكَ لَوْ تَدْرِي تَقُولُ لَنَا
 فُهَيْدُ جُنَّ وَفَرْخُ الْعَقْلِ قَدْ طَارَا

يَهِيمُ فِي التِّيهِ وَالنِّيرَانُ فِي فَمِهِ
فِي بَطْنِهِ الْحَرُّ، مَنْ ذَا يُطْفِئُ النَّارَا!؟

يَبْكِي يَقُولُ أَنَا الْأَوْتَادُ أَكْرَهُهَا
 أَهْوَى الْمَنَاشِيرَ، أَهْوَى الطِّفْلَ وَالْجَارَا

صَرَخْتُ: جَارُكَ! إِنَّ الدِّينَ كَرَّمَهُ
 وَالطِّفْلُ، لَيْتَكَ لَمْ تُشْهِرْهُ إِشْهَارَا!

فَمَا أَرَاكَ سِوَى بَاغٍ يَرُوحُ إِلَى
 بَاغٍ فَتَلْقَى كَما عُوِّدْتَ فُجَّارَا

مَلْعُونُ أَنْتَ فَتُبْ، تَلْقَ الْإِلَهَ غَدًا
 وَقَوْمَ لُوطٍ وَفِي النِّيرَانِ كُفَّارَا!

تَقُولُ جُعْتَ، وَفِي الْأَحْشَاءِ جَائِحَةٌ،
 ألَمْ تَجِدْ في خَلِيجِ النَّفْطِ مِنْقَارَا؟

يُرِيحُ فِيكَ هَوَى اللَذَّاتِ، كَيْفَ غَدَتْ
 جُرْحًا تَقَيَّحَ حَتَّى عَفَّنَ الدَّارَا؟
*****
مَضَى وَطَوَّفَ بِالصَّحْرَاءِ مُنْفَرِدًا
 وَوَزْنُ بَطْنِهِ قَدَّرْنَاهُ قِنْطَارَا

فِيهِ الْمَنَاشِيرُ تَمْضِي غَيْرَ آبِهَةٍ
 تَهُزُّهُ فَيَرَى فِي الْهَزِّ أَنْوَارَا

عَلَى الرِّمَالِ كَحِرْبَاءٍ تَلَوُّنُهُ
 وَحِينَ يَشْهَقُ قَدْ تَحْسَبْهُ إِعْصَارَا

يُغْمَى عَلَيْهِ وَنَصْلُ الصَّهْدِ فِي يَدِهِ،
 بِفَكِّهِ آخَرٌ يُبْقِيهِ تِذْكَارَا

تَجْرِي الضِّبَاعُ وَقَدْ ضَاقَتْ بِشَهْقَتِهِ
 تَرَى فُهَيْدَ كَمَا الذُّؤْبَانُ مَكَّارَا

تَعُودُ تَنْهَشُ فِي بَطْنٍ وَتَحْسَبُهُ
 فِي الْبَرِّ جِيفَةَ بَغْلٍ تَاهَ وَانْهَارَا
*****
فُهَيْدُ يَا أَسَفِي تَهْوَى السِّبَابَ وَقَدْ
 غَدَا بِهِ فَمُكَ الْمَشْرُومُ مِنْخَارَا

تُرَدِّدُ الْفُحْشِ فِي الْأَرْكَانِ تَزْرَعُهُ
وَالسُّمُّ يَنْضَحُ فِي شِدْقَيْكَ آبَارَا

وَكَلْبُ وَجْهِكَ، قُلْ لِي مَنْ سَيَطْرُدُهُ
 لَمَّا رَمَيْنَاكَ لَمْ نُشْبِعْكَ أَحْجَارَا!

مَا الْحُرُّ يَنْسَى لِمَلْعُونِ الْحِجَازِ خَنَا
 نَظَلُّ نَسْمَعُهُ فَجْرًا وَأَسْحَارَا

يَمْضِي الْمُغَنِّي وَيَبْقَى صَوْتُهُ أَبَدًا
 يَصُبُّ فِي الْأُذْنِ كَالْأَلْحَانِ أَنْهَارَا

أَخَافُهَا تَخْتَفِي الْأَنْغَامُ فِي زَمَنِي
 وَفُوكَ يَبْقَى مَدَى الْأَزْمَانِ قِيثَارَا!

حَتْمًا، وَيَبْقَى هِجَائِي الْعُودُ أَنْقُرُهُ،
 وَالشِمَّرِيُّ مَتَى وَقَّعْتُ أَوْتَارَا

كَمْ قُلْتُ فِيهِ هِجَاءً ظَلَّ يُسْعِدُنِي
 مُذْ صَارَ ذِئْبًا وَعِشْتُ الدَّهْرَ عِشْتَارَا!

لِي فِي الْحُطَيْئَةِ أَصْلٌ لَسْتُ أُنْكِرُهُ
 وَلَسْتُ أُنْكِرُ فِي التَّقْرِيعِ بَشَّارَا
*****
هَذَا الْهِجَاءُ نَظَمْنَاهُ لِسَاعَتِهِ
 عَلَى الْبَسِيطِ لِيَبْقَى الدَّهْرَ سَيَّارَا

سِتُّونَ بَيْتًا أَرَاهَا رَغْمَ قِلَّتِهَا
 فِي الشِمَّرِيِّ كَمَا بَيَّنْتُ أَسْفَارَا

تَظَلُّ تَنْخَرُ فِي عِرْضِ الْفُهَيْدِ وَقَدْ
 بَاتَ الْفُهَيْدُ كَمَا بِالْأَمْسِ غَدَّارَا

يَذُوقُ ثُمَّ يَشِي بِالْفَاعِلِينَ بِهِ
 كَذَاكَ عَادَتُهُ مُذْ صَارَ خَوَّارَا

 هَذَا الْهِجَاءُ سَتَبْقَى الْأَرْضُ تُنْشِدُهُ
 حَتَّى يَصِيرَ كَحِزْبِ النَّصْرِ أَذْكَارَا

أَقُولُهُ وَأنَا فِي مَغْرِبِي رَجُلٌ
 لِسَانُ قَوْمِي كَمَا قَدْ كَانَ غِيفَارَا

لِلْعَاقِلِينَ سَلاَمِي وَهْوَ عَاصِفَةٌ
 بَعَثْتُهَا لِفُهَيْدِ الشَّرِّ إِنْذَارَا

عَفْوًا إِذَا كَانَ شِعْرِي لا يُلائِمُكُمْ
 صُبُّوا عَلَى الشِمَّرِيِّ الْوَيْلَ مِدْرَارَا

مَا كُنْتُ أَنْطِقُ فُحْشًا إِنَّمَا أَلَمِي
 لَمَّا اسْتَحَالَ فَمُ الْمَكَّارِ مِنْشَارَا

تَفْنَى الْمَنَاشِيرُ أَمَّا حَدُّ مِنْشَرِهِ
 كَالْجِذْرِ إِنْ لَمْ يُقَلَّعْ يُضْحِ أَشْجَارَا

فَلْتَقْلَعُوهُ لَعَلَّ اللهَ يَرْحَمُكُمْ
كَيْ يَنْبُتَ الْحَقُّ فِي الْأَرْكَانِ أَزْهَارَا

وَيَنْتَهِي دَاءُ كُورُونَا وَشَمْرِيُهَا
 فَدَاؤُهُ أَصْلُ كُورُونَا وَمَا صَارَا

باريس، بتاريخ 02 ماي 2020م.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إيضاحات:
ــ مُسَيْلِمَةُ الْكَذَّاب: رجل من اليمامة، ادعى النبوة في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام. وفي المثل:«أَكذَبُ من مسيلمة!».
ــ اَلرُّوم: شعوب الإمبراطوريتين: الرومانية الشرقية (البيزنطية) [وهي المعنية في سورة الروم، الآية 2]، وعاصمتها القسطنطينية بتركيا الحالية؛ والرومانية الغربية، وعاصمتها روما الإيطالية، وهي التي عناها الشِمَّري في تقريعه لأمازيغ شمال إفريقيا.
ــ اَلْمَجُوس: أتباع الديانة الزرادشتية القديمة أو «عَبَدة النار» ببلاد الفرس. ورد ذكرهم في سورة الحج، الآية 17.
ــ اَلْقُوط (مملكة القوطيين): سلالة جرمانية استقلت عن الإمبراطورية الرومانية الغربية من القرن الخامس إلى القرن الثامن الميلاديين، واستقرت بالمنطقة الممتدة من جنوب فرنسا إلى البحرين المتوسط والأطلسي، والمعروفة بشبه الجزيرة الإيبرية (إسبانيا والبرتغال).
ــ طَارِق بن زياد: فاتح شبه الجزيرة الإيبيرية من سنة 711م إلى سنة 718م انطلاقا من إقليم إفريقية (شمال إفريقيا حاليا)، وإليه تنسب تسمية جبل طارق.
ــ اَلْبَار: الحان أو الخمّارة في لغة الفرنسيين وغيرهم.
ــ زَوَاجُ الْمِسْيَار وَزَوَاجُ الْمِسْفَار: اسمان لزواج المتعة عند أهل السنة من مسلمي بعض دول الخليج خاصة، وهما أكثر انتشارا في السعودية والإمارات في العقود الأخيرة. وقد اجتهد علماء المنطقة في تحليلهما شرعا بعدة تخريجات فقهية لم يقع عليها إجماع.
ــ خُنْثَى: ثنائية الجنس في الكائن الواحد، عند البشر والحيوانات.
ــ اَلْأَرْكَان: زوايا الكعبة الأربعة (الشرقي، العراقي، الغربي واليماني). وأنا أرمز بها إلى الكعبة تخصيصا وإلى مكة والحجاز تعميما.
ــ أَسْتَار: جمع ستار، والمقصود به غطاء الكعبة وكسوتها، وما تشتمل عليه من البركة.
ــ اَلْمِيزَاب: المقصود ميزاب الكعبة، وهو مصرف مياه الأمطار المُثبت على سطحها. ومن الحجاج من يتبرك بمائه خصوصا إذا تزامن تواجده مع سقوطها كما هو مدون في كتب بعض الرحالة المغاربة.
ــ اَلتِّيه: الصحراء عموما، وهو إشارة إلى تيه بني إسرائيل من مصر وتلفهم في الصحراء لمدة أربعين سنة.
ــ عِشْتَار: اسم إلهة من آلهة الشرق العربي القديم، ترمز للحب والخصب والحرب. أما المستعمل في القصيدة فهو الأسطورة التي تحول فيها الراعي سارق الأغنام الذي عشق عشتار إلى ذئب، في حين أنها ظلت الإلهة الجميلة المعبودة.
ــ اَلْحُطَيْئَة: شاعر مُخَضرم عاش في الجاهلية وأدرك الإسلام. عُرف بلسانه السليط.
ــ بَشَّار: شاعر عباسي أبدع في فن الهجاء.
ــ حِزْبُ النَّصْر: ويسمى أيضا «حزب القهر» لقهره للعدو، وهو أحد أوراد الإمام أبي الحسن الشاذلي (القرن الثالث عشر الميلادي)، الذي ترجع إليه أصول الطريقة الشاذلية. وقد بناه على الآية «حسبنا الله ونعم الوكيل (سورة آل عمران، الآية 173)» والتي تسمى بسيف المؤمنين. وحزب النصر معروف ببركته عند التوسل إلى الله للانتصار على الأعداء ومحقهم.
ــ غِيفَارَا (إرنستو تشي غيفارا): ثوري كوبي من أصل أرجنتيني ورجل دولة سعى جادا إلى توحيد أمريكا اللاتينية.

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here