🌿 تحليلٌ تأثيلِيّ وتنقيدٌ تأصيلِيّ، من خلال رسالتي لأحد أصدقائي في الأردنِّ الشقيق فضيلة الشيخ الأديب والمفكّر الأستاذ سامح عثمان حفظه الله تعالى 🌿
****
من منطلق فكر أخينا المفضال فضيلة الشيخ سيدي سامح عثمان ومن بَداءَة تعرّفنا عليه ومناقشتنا له في مبسوط كلامه عنَّ لي أنه باحث رصين غيور على مناهج النقد والتحليل العربيين اللّذين شهدتهما الحضارة الإسلامية في أوج ثَبَجِها، وعليه فإنّنا إذا ما أخذنا على سبيل التّمثيل الدكتور طه حسين رافع لواء التّغريب والمنبهر بالتقدّم العلمي والمعرفي الغربي-“ولا أهفو أبدا أن أسميه عميدا للأدب العربي”- فإنّه كان من المطبّلين للمناهج الغربية، وصراعه مع عمداء الأدب العربي الأقحاح أمثال تلميذيه فضيلة الإمام محمود شاكر وعملاق الأدب والفكر الدكتور محمد نجيب البهبيتي رحمهما الله تعالى وأجزل عطاءهما خيرُ شاهدٍ على أفول نجمه وانحداره في مستنقع آسِن، فهو مُتَأَوْرِبٌ إلى النُّخاع وحاطب ليل وجارف سيل، ومن قرأ كتاب الدكتور البهبيتي الماتع وبحثه الباتع المسمّى ب” المدخل إلى دراسة التاريخ والأدب ” يجد طه حسين أمام مرآة التنقيد العلمي الرّصين مجرّد مثقّف بسيط جدّا لا يعدو ذلك ولا يكاد يتجاوزُه، جاء ليروّج سرقة منهج الشك المنهجي الذي افترعَه حجة الإسلام أبو حامد الغزالي رضي الله عنه ليردّ بعمق فكريٍّ أثيلٍ على الحركة الباطنية التي أسّسها الحسن بن الصّباح الزنديق، ونظّر لها بمكرٍ ثعلبيّ خبيث في قلعة “أَلَمُوت” الشهيرة.
هذا المنهج الشكّي المنسوب ظلما وعدوانا لديكارت الفيلسوف والرياضي الفرنسي الذي أقحمه في “الكوجيتو” المعروف منحولٌ وافدٌ من الثقافة الإسلامية وحضارتها الخالدة الذي يُبرز نُضج فلاسفتها ومفكّريها،
وإنّ من معايب الفكر ومآخذه أن تأخذ إشكالاته فطيرةً دون أن تَنْظُرَ يناعتها وتلج إلى أعماقها، من أجل ذلك عندما فصل طه حسين ظروف وجوّ المنهج الشكي عن محيطه الذي ترعرع وبزغ فيه متجاهلا مقاصده وأسبابه وعوامل نشأته وقع في خَلْطٍ وشحْطٍ حيث ما فهم فكر المسروق حتى يفهم فكر السارق، وغدا مهرولا إلى مختبره الأدبي المهترئ ليقيسه على الشعر الجاهلي ويخرج لنا بحماقاته التي ما سمع بها الأولون ولا الآخرون بعدهم.
إضافة إلى ما قاله إمام الأدب الجاحظ الثاني مصطفى صادق الرافعي فيه في كتابه ” تحت راية القرآن ” يتأكّدُ آكَدَ التأكيد على أن بعض مثقفينا خربوا الثقافة العربية من حيث يدرون أو من حيث لا يدرون، وهو ما ذهب إليه شيخنا شيخ العربية ورافع لوائها أبو فهر محمود شاكر في كتابه الجليل “المتنبي رسالة في الطريق إلى ثقافتنا”، ثم إن كان هؤلاء المُتَأَوْرِبُون معرفةً ومنهجا يدرون بمقصدهم التخريبي فهم “فضيحة” كما يحلو أن يطلقها الرافعي على طه حسين، وإن كانوا لا يدرون مع نية الإصلاح فهم بذلك يقعون بما لا يدع منزَعا للشك في المثل العربي القائل” أراد أن يُكَحِّلَها فأعماها”، وعلى كلِّ حالٍ فقد فُضِحوا وحُفِرت لهم قبورُهم وهم أحياء بالمعاول التي كانوا يرومون بها ضرب صرح الحضارة العربية الخالد، فصاروا كما يقول المثل “أهونُ من قُعَيْسٍ على عمّته”..
وعليه فلن يصل مثقفو العرب إلى المُبتغى ما داموا بعيدين عن أصولهم الفكرية إلا إذا آبُوا إلى شَرْبِهم الأوّل العذب الفرات النّمير الصافي، وصدق شيخ العربية وإمام بلاغتها جار الله الزمخشري عندما قال في ذلك : “من حُرِمَ الأصول حُرِم الوصول، وكما قال علامة المغرب الثعالبي الحجوي الفاسي : “اعرِفِ الأصول تعرِفْ ما تقول”.
__ طه حسين ولجنة الاختبار العلميّة الأزهريّة :
تُعقَدُ لجنة الاختبار العلمية في الأزهر الشريف لنيل “شهادة العالمية” التي تؤهّل الطالب الأزهري للحصول على درجة الأستاذيّة، وهي أسمى الدرجات الأكاديميّة إلى الآن، حيث يواجِهُ الطالب سيلا من الأسئلة العويصة جدًّا في فنون شتّى وعلوم مختلِفة، من معارف الشرع واللغة والمنطق والأدب والفلسفة وعلم الكلام فروعا وأصولا، ولا يثبت لها إلا من وفّقه الله تعالى بتوفيقه أوّلا، وكان عالما متمكّنا شديد الضَّبط لكلّ المعارف التي يدرسها الطالب في الأزهر الشريف ثانيا، حتى إنهم قالوا لا يثبت من بين الثّلاثمائةِ مُشارِكٍ لنيل الشهادة سوى الثّلاثَةِ طُلّابٍ نوابغ.
🌹طه حسين يفشل فشلًا ذريعًا في أسئلة الاختبار ومن بينها سؤال في علوم اللغة جدّ يسير🌹
عندما وقف طه حسين أمام لجنة الاختبار رسب في جميع الأسئلة التي تقدّم بها فطاحلة علماء الأزهر، وكان من بينها فيما أخبرنيه أحد علماء مراكش الأفذاذ إعراب جملة على سبيل المثال لا النصّ: جاءَ رجلٌ، فأعرب الفعل، فلمّا أراد إعراب فاعله قال: فاعلٌ مرفوعٌ بالضمة الظاهرة على آخره، وهنا اعترضه أحدُهم قائلا: كيف تقول: فاعل مرفوع بالضمة الظاهرة على آخره، بينما “رجلٌ في العبارة” فوق آخره ضمّتان، وهنا أُسقط في يده ولم يحِرْ جوابا.
🌹سرّ كتابة مقال” ساعةُ الضُّحى بين العمائم واللِّحَى” بثٌّ لحقدٍ بئيس ونقدٍ حاقد🌹
بعد أن فشِل طه حسين في نيل الأستاذيّة بعد سقوطه المُدَوِّي في اختبار اللجنة التي خرج منها حَنِقا مُغْضَبًا قد بلغ الغيظ مداه في نفسه، وقع في طوامَّ لا أخلاقيّة، فبدل أن يُصلِح من حاله، ويراجع الموادّ المقرّرة ويضبطها ويستثمر أخطاءه في تقويمها وإصلاحها ويأخذ بنصائح أساتذته، حمله الحقد الجارف لنقدٍ سخيفٍ إلى حدِّ التجريح المبني على نيّة انتقامية، فكتب مقالا ينتقد فيه منهج وعلماء الأزهر الشريف أسماه “ساعة الضُّحى بين العمائم واللِّحَى”.
وهذا ليس بغريب عن خُلُق طه حسين، فهو قد مكر غاية المكر المقيت بأعظم طلبته العباقرة، ونخصّ بالذِّكر “محمود شاكر والبهبيتي”، هذا الأخير الذي ظلّ لسانُه يلهج بنقد أستاذه في مدرّجات كلية اللغة العربية بمرّاكش، والذي يقرأ كتاب “المتنبي رسالة في الطريق إلى ثقافتنا” لشاكر، وكذا مقدّمة كتاب “أبو تمّام حياتُه وحياةُ شعره” للبهبيتيّ يجد جليًّا بما لا يدع في قوس الشكّ منزعا أنّ طه حسين كان العقبة الكؤود التي حاولت بأخبث الطُّرُق منع نجاح ولمعان نجمين عظيمين من نجوم الأدب واللغة والفكر.
إنّ الذي يقرأ للثلاثي العظيم مصطفى صادق الرافعي وأبي فهر محمود محمد شاكر ونجيب محمد البهبيتي ليجد حقيقةً أن طه حسين لا يصل مقدار عُشْرِهم خُلُقًا وعلمًا، من أجل ذلك يجب المطالبة العلمية العالميّة بإجماع أكاديميات العالم العربي بإعطاء العمادة لهؤلاء الكبار الثلاثة، وتشجيع النشء والطلبة والباحثين على الجثوّ بالركب لقراءة ما كتبوه من أدبٍ وفكرٍ وعلمٍ أصيل عظيم.
من هنا نخلص أنّ “عمادة الأدب العربي” صفة عالية غالية لا يستحقها من باب الإنصاف العلميّ والنقد النزيه الموضوعيّ الدكتور طه حسين البتّة، وأن تلقيبه بها كان بلاطيا وافدا من سياسة القصر المصري آنذاك، كما أنّنا
لم نقرأ قطّ إلى حدود الساعة بصفتنا باحثين إجماع العلماء والأدباء والمفكرين على جواز أهليّته بها، بل
ولم يُستشاروا في ذلك أصلا.
🌾 وهنا نَثْنِي عِنان القلم ونُمسك 🌾 .
💐 والله أعلم و أعظم وأعلى وأحكم جلّ في علاه 💐
_________________________
*عضو الهيئة العلمية لمؤسسة ابن تاشفين للدراسات والأبحاث والإبداع ..كرسي البلاغة القرآنية والتفسير البلاغي وعلوم النقد والأدب وعلوم تقويم اللسان العربي العام والخاص