Home Slider site هل المغرب استثناء من الربيع العربي؟ من يملك الجواب؟ – أحمد حضراوي
كثيرون تحدثوا عن أن المغرب استثناء مما شهدته وتشهده المنطقة العربية من حركات ثورية جذرية سواء في ممارسة الفعل التغييري أو في طبيعته وعقلية “رؤية” الداعين له والقائمين عليه والراعين له، الذين يمكن القول بأنهم لم ينبشوا كثيرا في النضالات الشعبية التي سبقتهم بل ابتكروا طريقتهم المثلى ووضعوا بصمتهم هم –وخيرا فعلوا–، وما كان ليتأتّى لهم هذا لولا توافر وسائل التواصل الاجتماعي، التي جعلت منهم حالة ثورية فجائية ومتجددة، رغم أنها ما تزال تحتاج إلى تأطير وبناء وخاصة إفراز قيادة ذات كاريزما ثورية حقيقية وليس مجرد ظاهرة صوتية قد تتجاوزها الأحداث فتظهر عجزها وسفهها و“افتراضيتها” مثل وائل غنيم، الذي شحد الناس في الميادين من خلال صفحة على الفايسبوك، لكن بمجرد أن قامت الثورة ونجحت، ندم عليها فاكتشف العالم مدى اضمحلال شخصيته التي جُنّت في غمار العظمة وانسداد أفق الرؤية والبناء وصناعة البديل، فتحول من أيقونة ثورة إلى مسخرة مواقع التواصل نفسها التي جعلت منه أسطورة في بداية ظهوره ثم في أوج نجوميته.
لم يتعامل مخزن الدولة العميقة بل والمتجذرة في المغرب بنفس حدة القمع التي شهدتها معظم ثورات الربيع العربي سواء التي سبقت أو التي زامنت حراكه، وأقصد هنا حراك حركة 20 فبراير التي انضمت إليها حركات إسلامية ثم انسلت منها سواء لعجزها عن توجيه الحراك أو لانكشاف حجمها الجماهيري فيه أو لاستغلالها في الحصول على ريع حكومي، وأستثني هنا حراكات جهوية مثل ما سمي بحراك الريف وحراك جرادة وحراك سيدي إفني وغيرها، لأنها حراكات لم تلتف حولها كل شرائح المجتمع المغربي ولم تجمع عليها القوى الوطنية ولو تعاطفا فقط، بسبب أساسي هو عجز قيادييها عن تأليف إرادة كل المغاربة حولها رؤية وتنظيرا وممارسة، بل وبسبب الشرخ الذي أحدثته من خلال ربط هذا الحراك أو ذاك بمكون عرقي وطني دون غيره، سواء كان ريفيا أو أمازيغيا أو صحراويا واستثناء المكونات الأخرى بل واتهامها بالعمالة للمخزن أو بالثورة المضادة، مما ضرب هذه الحراكات في مقتل وقزمها حتى انزوت في قبيلة أو دشرة أو حي بسيط، أو جزء لا يكاد يعتد به من الجالية المغربية في الخارج.
عدم انفتاح “الحراك المغربي” على المغاربة ككل دون عنصرية أو أقلمة وخاصة على ذوي الخبرة والباع في التأطير والتوجيه، وعدم فرضه واقع الحوار مع المؤسسات التمثيلية في المغرب سواء الرسمية أو غير الرسمية جعل من فكرة الخروج إلى الشارع للتعبير عن رأي سياسي إحباطا في حد ذاته، ساهمت معظم الأحزاب المغربية فيه وقد تنكرت لمهمتها الأساسية وتكالبت على الريع والمناصب، مما تسبب في خلق شرخ كبير بين الوعي السياسي خاصة الشبابي المغربي وبين الجهات المؤطرة سواء أحزاب أو نقابات أو جماعات مجتمع مدني، هذا الشرخ الذي يولد باستمرار عدم جدوى النضال الشفوي في الشارع المغربي واللجوء إلى “أسلوب شرع اليد” في إيجاد بدائل للتتعبير عن هذه “الحكرة”، فتفشت بالتالي جرائم الحرابة في المغرب خاصة في المدن الكبرى لتصبح بعدها ظاهرة منظمة في كل زقاق مغربي، تحولت تدريجيا لتصبح تنظيمات عشوائية ما لبثت أن تم استيعابها بطريقة أو بأخرى من جهات قريبة من السلطة بل لعلها جزء منها، تقوم بتوظيفها مقابل حمايتها من الاعتقال والمتابعة القضائية، أولا لمجابهة بقايا التشكيلات المغربية المدافعة عن حقوقها ضد أرباب القرارات المتسلطة، وثانيا لادخارها لحين ثورة شعبية تتهدد مصالحها معها–إن حدثت– تُستدعى فيها هذه الميليشيات الإجرامية المنظمة لخلق حالة من الفوضى ونشر الإرهاب، وتشويه الحركة الشعبية المطلبية حتى يتمنى من خرج ضد الدولة العميقة أن يعود إلى الوضع السابق بل ويرضى بنصف الوضع الذي أخرجه من بيته، ويرضى بفضل ومَنِّ الدولة عليه، ويسبّح بحمد الفاسدين الذين أنقذوه من حالة ليبيا وسوريا. ولنا في بلطجية مصر وشبيحة سوريا وزعران لبنان خير دليل.
عود على بدء، هل يمكن للمغرب أن يمثل استثناء مما يحدث في العالم العربي؟
ربما انكشفت عورة جميع التنظيمات والجماعات الإسلامية وغير الإسلامية التي جعلت من شعار التغيير هدفا لها في مجابهة السلطة في المغرب، لكنها لم تستطع بكل برامج دعوتها وأشكالها أن تتغلغل في عمق الشارع المغربي الذي أصبح قادرا على التمييز بين التغيير الحقيقي والتغيير النسبي المحتشم. ففي الوقت الذي يرى فيه هذا الشعب غيره من الشعوب العربية –بما فيها مكوناتها الإسلامية– قد رفعت شعار التغيير واضحا وصريحا هو “الشعب يريد إسقاط النظام” وشعار “إرحل“، وهذا بغض النظر عن نجاح أو عدم نجاح هذه الثورات، وبغض النظر عن ردة فعل الثورات المضادة في مواجهة مشروع التغيير الوطني هذا، يرى فيه أيضا عجز الحراك المغربي عن بلورة هدف واضح لأجيجه الثوري وفضفاضة مطالبه بإسقاط الفساد لا غير، دون أن تكون لديه الجرأة أو الشجاعة لتحديد من المفسد! نفس الشيء يقال عن الحركات الإسلامية المغربية –المصنفة داعية للتغيير الجذري– والتي لم تستطع صناعة قيادة وطنية ملهمة، بل اصطفت خلف حالة مطلبية وصفت بشبه الثورية (ناصر الزفزافي) مثلا.
صحيح أنْ لا ربيع عربي وصل بر الأمان كما تمنينا له –باستثناء التجربة التونسية رغم عثراتها–، لكن بموجة هذا الربيع الثانية التي حركت هذه المرة رمال أقرب البلدان العربية إلى المغرب وأقصد هنا الجزائر التي ما زالت منتفضة ليس فقط ضد رأس السلطة التي أسقطته فعلا من على كرسيه المتحرك بل ضد الدولة العميقة والجيش، وموريطانيا التي نجحت نوعا ما في إدارة تغييرات بشكل سلمي وبعيد عن الأضواء نسبيا وبأقل خسائر، تكون دول المغرب العربي الكبير المتشكل من خمس دول قد عرفت تغييرا باستثناء واحدة هي المغرب، فهل سيبقى استثناء وإذا كان نعم فإلى متى!؟
في نظري لا يمكن لأي دولة عربية أو إسلامية أن تستثنى من التغيير، فالربيع العربي والإسلامي أصبح قدرا محتوما في ظل الوضع الكارثي الذي أوصلنا إليه النظام العربي الرسمي، سواء على مستوى القضايا المصيرية للأمة ككل: وأهمها قضية فلسطي، أو القضايا الجهوية: الاتحاد الخليجي، اتحاد المغرب العربي، أو القضايا الإثنية: الأقباط، الدروز، الأكراد، الإيزيديين، الأمازيغ وغيرهم. أو قضايا وحدة البلدان نفسها: تجزئة السودان، تهديد العراق بالتقسيم، جزيرتي تيران وصنافير، قضية الصحراء المغربية، حيث يبدو جليا وحتى لعامة الناس أن النسخة الجديدة من الثورات العربية الراهنة هي ثورات ضد الثورات المضادة، ليبيا مثلا، اليمن، العراق. أو ثورات مرتقبة وشيكة الحدوث بعد أن كسرت حاجز الخوف والصمت كما حدث في ثورة مصر الأخيرة حيث رفع لأول مرة شعار “إرحل يا سيسي“. بل وصلت هذه الثورة إلى عاصمة إيران، إيران عدوة الشعوب العربية والإسلامية بامتياز ورائدة الثورة المضادة عليها، وتحولت إلى ثورة على جميع أذرعها السياسية والمليشياوية في كل من سوريا والعراق واليمن بل وحتى لبنان بما فيها مراكز الشيعة في الجنوب.
ماذا بعد!؟
قد يتهمني البعض بأني رجل حالم، لكن ما أتوقعه في مرحلة مقبلة هو اكتمال نسق الثورة العربية والإسلامية ضد الثورة المضادة، ولا يمكن أن نتحدث عن الثورة المضادة ولا نذكر المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. فهاتان الدولتان اللتان لعبتا دورا خطيرا في كل دول الربيع العربي بل وأقحمتا ميليشياتهما بالبارود والنار لإخماد حلم الحرية فيها، ستصابان لا شك –وبيننا الأيام– بشرارة الثورة سواء اشتعلت في الرياض وأبي ظبي ومعهما المنامة، أو أتتهما من الخارج بتحالف الدول ضحيتهما بعد استتاب الأمور فيها، وما تعرفه الدولتان من انحدار أخلاقي في التعامل مع الدول العربية والإسلامية واحتضان لكل منبوذ من شعبه كخليفة حفتر، السيسي، دحلان… كفيل بتعجيل كل ذلك.
ويبقى السؤال: هل المغرب استثناء من كل ذلك!؟
الجواب لدى الشعب المغربي ولدى صاحب العرش وحدهما، وإن غدا لناظره قريب.