هذه ليلتي !!
جورج سجعان جرداق (1933 – 2014)
هذه ليلتي وحلم حياتي …………… بين ماض من الزمان وآت
الهوى أنت كله والأماني …………… فاملأ الكأس بالغرام وهاتِ
بعد حين يبدل الحب دارا …………… والعصافير تهجر الأوكارا
وديار كانت قديما ديارا …………… سترانا كما نراها قفارا
سوف تلهو بنا الحياة وتسخر …………… فتعالَ أحبك الآن أكثر
” من قصيدة : هذه ليلتي ”
—————
إن الحديث عن الشام وسيما لبنان، ذو شجون لما له من جماليات تسكن وجدان الإنسان المهتم بالوجدان، والفنون الجميلة، وطبيعة الأرض الخلابة، والبيئة التي تفوح بالياسمين، والأرز الذي يؤرخ لتراث بعلبك، ومسيرة العطاء. ففي لبنان عمالقة الفكر، والصحافة، وأساطين الأدب والشعر والمسرح والغناء فيروزيات هذا المساء، ومن ثم عرفنا الكثير عن لبنان من خلال الدراسة وجغرافية المكان، وشاهدنا مناظرها في شتي وسائل الإعلام. وقدر لي أن أزور بيروت حيث الحمرة والحمراء التي تذكرنا بقصور الحمراء في غرناطة، بأرض الأندلس المفقود، بين رحلة الشرق والغرب ذكريات لا تموت !! .
وعندما سمعت رائعة كوكب الشرق أم كلثوم بعنوان ” هذه ليلتي ” همت بها أيما هيام الحسان؛ كلمات، ومعانٍ، وموسيقى، لها صدى في وقع الإنسان الذي يعانق الحب والجمال و السلام … !! .
فرحت أقلب الصفحات عن هذا الشاعر مع شعراء الغناء، وخاصة التي انتقت سيدة الطرب أم كلثوم قصائدهم العصماء، فعرفته أنه حادي لبان ( جورج جرداق )، وتمنيت أن أعثر على كلمات هذه الأغنية الرائعة، و أنى لي هذا في مراحل الصبا حيث أسكن في الفيافي المتناثرة بعيدا عن أضواء المدينة هيهات هيهات – !! .
وفجأة تسنى لي ذلك عندما التحقت بالجامعة، حيث وجدت كتابا يضم أغاني أم كلثوم، فسمعت وقرأت القصيدة، فظلت عالقة بالفكر والوجدان حتي تم أن تعرفت على أهل الأدب والشعر اللبناني دراسات وتحليلا، ووجدت الكثير في المجلات، والحلقات الإذاعية و التلفزيونية…
وها أنا اليوم أسجل بعض السطور من باب المعرفة، التي هي ضآلة كل شغوف بفنون الأدب في تذوق فريد…
نشــــــأته :
—————-
ولد الشاعر والأديب الكبير اللبناني جورج سجعان جرداق عام 1933 م في مرج عيون. وهو شاعر عربي ألف قصيدة “هذه ليلتي”، والتي غنتها أم كلثوم، ولحنها محمد عبد الوهاب سنة 1968، وتعتبر من أشهر أغاني أم كلثوم. ولد في جديدة مرج عيون جنوب لبنان، وتخرج من الكلية البطريركية، وضع سلسلة كتب عن الإمام علي. توفي جورج جرداق في 6 نوفمبر 2014 .
نعم فهو الأديب اللبناني القدير جورج جرداق الشاعر والكاتب، صاحب القلم الناقد اللاذع والساخر، الذي ذاع صيته في أنحاء العالم العربي، وأصبح قبلة أنظار جميع المطربين والمطربات العرب، ولا سيما بعد أن كتب في العام 1968 لكوكب الشرق السيّدة أم كلثوم قصيدة «هذه ليلتي « التي لحّنها العملاق محمد عبد الوهاب، وكانت له أعمال وبصمات مع الكبار الذين نسج معهم علاقات طيبّة أمثال السيدة فيروز، والأخوين الرحباني، ووديع الصافي، ونصري شمس الدين، ورياض السنباطي، وغيرهم من الرعيل والأسماء التي صنعت السجلّ الفنيّ الذهبّي في عالمنا العربي. والشاعر جورج جرداق ابن بلدة جديدة مرج عيون الجنوبية، رحل عن عمر يناهز 83 عاماً بعد غيبوبة أصابته واستّمرت لمدة شهر.
وقد تلقى علومه التكميلية في مدارس جديدة مرجعيون، ويحكى عنه أنه كان منذ صغره يهوى القراءة والمطالعة، إذ كان يهرب من المدرسة ليحفظ شعر المتنبي، وفقه اللغة العربيّة في مجمع البحرين للشيخ ناصيف اليازجي تحت ظلّ شجرة بالقرب من «مرج عيون» في السهل الشرقي، وعندما أبلغت المدرسة ذويه عن فراره المستمرّ بهدف معاقبته دافع عنه شقيقه فؤاد الذي أكدّ «أنّ ما يفعله جورج هو مفيد له أكثر بكثير من المدرسة ». بعدها انتقل جرداق إلى بيروت والتحق بـ «الكليّة البطريركيّة » التي تخّرج منها في العام 1953 لتنطلق مسيرته في عالم الكتابة والتأليف في الصحف والمجّلات اللبنانيّة والعربيّة، فاستهلّ عمله الإعلامي في مجلّة «الحريّة » ثمّ «الجمهور الجديد » فـ «الكفاح العربيّ » و «الأنوار » إلى صحف دمشق والقاهرة .
وأكثر ما عرف عنه منذ مطلع السبعينيات وحتى اليوم هو نقده القاسي والساخر واللاذع في مجالات الادب والسياسة والفنّ والحياة وما كان يسميّه أيضاً «بالغباء الاجتماعي » من خلال كتابته على صفحات مجلة الصيّاد في زاوية «تحت الصنّارة » وفي «الشبكة ». وتعّرف عليه الجمهور اللبناني والعربي الواسع أكثر فأكثر من سنوات وسنوات من خلال إطلالته الاذاعية عبر أثير إذاعة « صوت لبنان » ضمن برنامجه الصباحيّ «على طريقتي » وهو نوع من السخريّة الساخنة والمحببّة في مختلف الحقول والمجالات .
وأبرز كتاباته ومؤّلفاته على الإطلاق كتابه : «فاغنز والمرأة »، الذي طلب الدكتور طه حسين عميد الأدب العربي إدراجه ضمن لائحة الكتب التي يجب أن يتابعها بتمعّن كلّ طالب دكتوراه في الأدب العربيّ، وموسوعته الفكريّة الشهيرة حول « الإمام علي » والعدالة والتسامح التي طبعت منها وفقاً للإحصائيات أكثر من خمسة ملايين نسخة حتى اليوم، وترجمت إلى الفارسيّة والأورديّة – لغة مسلمي القارة الهنديّة، وإلى الإسبانيّة والفرنسيّة .
هذا فضلاً عن قصيدته «هذه ليلتي » للسيدة أم كلثوم والتي لحنّها الموسيقار محمد عبد الوهّاب الذي قال عن صاحب القصيدة : «إنّ في شعر جورج جرداق من الموسيقى، ما لا يستطيع اللحن أن يجاريه أو يدانيه .»
وكان عبد الوهاب الذي سكن في جوار جورج جرداق في صيف 1967 عاماً كاملاً في لبنان، يمضي سهراته في أحد الفنادق في بحمدون في قضاء عاليه المطّل على وادي «لامارتين »، وفي إحدى السهرات كما يرويها الشاعر جرداق بنفسه : « قال له صاحب يا جارة الوادي تحدّثت اليوم مع أم كلثوم عبر الهاتف وسألتني عنك وعن إطالة غيابك عن مصر وهي تهديك تحيّاتها وتطلب منك أغنية للموسم الجديد، وتابع جرداق يقول : « صار كلّ ليلة يسألني أين أصبحت القصيدة ؟ وفي إحدى الليالي وكان معنا يوسف وهبي وإحسان عبد القدّوس ونجاة الصغيرة وفريد الأطرش، وشوشني عبد الوهاب بأن نخرج إلى الشرفة المطّلة على الوادي وهناك رحت أدندن بعض أبيات الشعر فطلب إليّ أن أعيدها على مسمعه وصاح هذه القصيدة التي نبحث عنها » .
أهم مؤلفاته :
———–
• قصور وأكواخ
• الإمام علي صوت العدالة الإنسانية ((سلسلة))
• [[صلاح الدين وريكاردوس قلب الأسد]] – رواية تاريخية
• نجوم الظهر
• عبقرية العربية
• صبايا ومرايا
• وجوه من كرتون
• حديث الحمار
• حكايات
• نغم ساحر
• علي صوت العدالة الإنسانية (ستة مجلدات)
• روائع نهج البلاغة
« و لماذا کتب حول أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام» في حوار خاص ونادر مع موقع شفقنا قال جورج جرداق : کتبت حول الإمام علي بن أبي طالب لأن علي كان نموذجا وهو يؤسس في دولته إلى العدالة، ولأن علي كان أستاذ عصره وجيله في الحكمة والفلسفة، بل أستاذ الأجيال التي تعاقبت من بعده.» وفي هذا الحوار لأول مرة جورج جرداق تحدث عن سر عدم الكتابة لشخصية أخرى غير علي بن أبي طالب وقال: «… لقد عرض عليّ بعض الناس من دول الخليج العربي ومصر أن أكتب في عمر مثلاً وآخرين .. لكنني رفضت ليس لأنني أرى أن عمرا سيئاً .. لكنني لم أجد من هو أهل بعد علي للكتابة، فعقرت قلمي في أن أكتب لشخص غيره… وهو ما حدث بيني وبين علي، وما يجب أن يحدث بين الآخرين وعلي يجب ألا يكون ما هو معتمد على عرقية أو فئوية أو حزبية أو إيدلوجية ضيقة، بل إن العدالة المتوفرة في علي من عادات عربية أصيلة كحب الخير والمساعدة والنخوة والشهامة والكرم والرجولة والبطولة والفروسية والشجاعة والعدل والإنصاف والثقافة والأدب والفكر والعلم والدين أي الزهد ومخافة الله، وما غير ذلك أمور تدفعني في أن أتخذ من الإمام علي عليه السلام أيقونة قومية عربية أتفاخر بها».
رحلة مع شــــــــــــعره :
———————–
و في قصيدة غزلية بعنوان ” ســــــــــمراء النيل ” تغزل قائلا :
سمراءُ كليلِ السهرانِ وكطلّة بنت السلطان
ضحكتها كالفرح المنصوب شراعاً فوق الخلجانِ
كصباحٍ تمرح فيه الشمس كرقصِ الريحِ بفستانِ
من فرحة أرض أزلية من رنة عود شرقية
لفتتها الخفةُّ.. خطوتها الرقصة
لهجتها المصرية
أوراق زهور برية.. أجنحة طيور بحرية
ليلٌ وحرير وتكية
وتقول الشفة الخمرية: أنا مصرية
كالأرض حميمة وبهية
كالشمس قديمة وصبية
وتسألُني: هل تنساني؟
هل تذكر دوماً عنواني؟
أنا كل عصور الحب وكل نجوم الشرق بأرداني
وبساط الريح على كفي ومرايا السحر بأجفاني
أنا بنت النيل وزهو الجيل بكل جميل تلقاني
في قمر الليل وموج البحرِ وشمس الصحراء تراني
في وجه الدنيا كتبوني للغات الدنيا نقلوني
وإشتاقوا لي وأحبوني .
و في قصيدة أخرى بعنوان ” أنت حبيبي ” يعترف قائلا :
وزينةُ وجهِي ولون ُعيوني وشعرِي الطويل
ورقصُ المرايا يمرُّ عليها قوامِي الجمِيل
وحُسنُ صَبايا النخيلِ تميلُ عليَّ تمِيل
***
أحبُّكَ! هَمسُ الليالِي يقُول، وضَوءُ النهار
وعيدُ النجُوم بثغرِي وصَدرِي، وعيدُ البحار
ولونُ شفاهي ترفُّ عليها فراشةُ نار
ولاَنَ الحريرُ عَلى جانبيَّ، وخفَّ وطار
***
قالوا بأنك تسـكنُ ليلِي ، وتملأُ فجـرِي
وأنك أنت تسوِّي قوامي، وترسمُ خصرِي
تسرّح شعري، وتختارُ لون ثيابي وَعِطرِي
وأني الجمالُ جَلاهُ هواكَ قصيدةَ شِعرِ
***
وأحلم أنِّي الصباحُ لدَيكَ .. وأني المَسَاء
وأمشي فيمشي إليَّ الربيعُ ويمشِي الضيَاء
وتورقُ حولي غُصونُ وتجري جَداولُ مَاء
أخفُّ .. أطيرُ .. أصيرُ بخفِّةِ هذا الهَواء
***
أحبُّكَ! نظرةُ جَارِي تقول، وَوجهُ الغريبِ
وفرحةُ قلبي بشمسِ الصباحِ وشمسِ المغيب
وفيك أذوبُ كما ذابَ طِيبٌ بموجَةِ طِيبِ
وتجهلُ وحـدَكَ حُبِّي ..وأنك أنتَ حَبيبي
مع رائعته الخالدة ( هذه ليلتي ) :
——————————-
هذه ليلتي هي أغنية أدتها أم كلثوم في 1968 من كلمات جورج جرداق وألحان محمد عبد الوهاب من مقام البيات. وهذه الأغنية لحنها محمد عبدالوهاب لأم كلثوم بعد أن لحن لها أنت عمري التي سميت لقاء السحاب، إذ كات أول عمل يجمع النجمين، وتعرضت أغنية هذه ليلتي لهجوم بعض النقاد. وغنتها المغنية الأردنية سهام الصفدي في أول أغنية لها في برنامج اكتشاف المواهب ركن الهواة في عمان في السبعينات.
هذه الأغنية هي أول أغنية عاطفية تغنيها بعد حرب 1967. و مطلعها :
هذه ليلتي وحلم حياتي …………… بين ماض من الزمان وآت
الهوى أنت كله والأماني …………… فاملأ الكأس بالغرام وهاتِ
بعد حين يبدل الحب دارا …………… والعصافير تهجر الأوكارا
وديار كانت قديما ديارا …………… سترانا كما نراها قفارا
سوف تلهو بنا الحياة وتسخر …………… فتعالَ أحبك الآن أكثر
________________________________________
والمساء الذي تهادى إلينا ……………ثم أصغى والحب في مقلتينا
لسؤال عن الهوى وجواب ……………وحديث يذوب في شفتينا
قد أطال الوقوف حين دعاني ……………ليلم الأشواق عن أجفاني
فادن مني وخذ إليك حناني ……………ثم اغمض عينيك حتى تراني
________________________________________
وليكن ليلنا طويلا طويلا ……………فكثير اللقاء كان قليلا
سوف تلهو بنا الحياة وتسخر …………. فتعالَ احبك الان اكثر
________________________________________
يا حبيبي طاب الهوى ما علينا ……………لو حملنا الأيام في راحتينا
صدفة أهدت الوجود إلينا ……………وأتاحت لقاءنا فالتقينا
في بحار تئن فيها الرياح ……………ضاع فيها المجداف والملاح
كم أذل الفراق منا لقاء ……………كل ليل إذا التقينا صباح
يا حبيباً قد طال فيه سهادي ……………وغريبا مسافرا بفؤادي
________________________________________
سهر الشوق في العيون الجميلة ……………حلم آثر الهوى أن يطيله
وحديث في الحب إن لم نقله ……………أوشك الصمت حولنا أن يقوله
يا حبيبي و انت خمري و كأسي …………. و منى خاطري و بهجة أنسي
فيك صمتي وفيك نطقي وهمسي ……………وغدي في هواك يسبق أمسي
هلّ في ليلتي خيال الندامى … والنواسي عانق الخياما
وتساقوا من خاطري الأحلاما … وأحبوا واسكروا الأياما
ربى من أين للزمان صباه … إن غدونا وصبحه ومساه
لن يرى الحب بعدنا من حداه … نحن ليل الهوى ونحن ضحاه
ملء قلبي شوق وملء كياني … هذه ليلتي فقف يا زمان
سوف تلهو بنا الحياة وتسخر…. فتعالى أحبك الآن الآن الآن أكثر.
هذه كانت تغريدة حول حادي لبنان جورج جرداق صاحب ملحمة العشق و الغرام ” هذه ليلتي “، بجانب روائعه العديدة ومؤلفاته الأخرى، وخصوصا ما كتبه في حق الإمام علي بن أبي طالب برؤية و إنصاف، فهو مرحلة فاصلة في تاريخ لبنان الحديث..
ولذا حاولت أن أقدمه في سهولة ويسر، فكلماته تنم عن عبقري فنان، مسكون بمشاعر الحب المرهف الصادق، متأثرا ببيئته الفريدة، وأرباب القلم والصحافة.