ملاحظات حول حوار ليس في العمق وغير متزن مع عبد الله بوصوف – د. عبد الكريم بلكندوز

0
399
Dr Abdelkrim Belguendouz universitaire à Rabat, chercheur en migration
Dr Abdelkrim Belguendouz universitaire à Rabat, chercheur en migration

جامعي بالرباط وباحث في قضايا الهجرة

أجرى موقع “العمق المغربي” مؤخرا حوارا مطولا مع عبد الله بوصوف، الأمين العام لمجلس الجالية المغربية بالخارج حول عدة قضايا تهم الجالية، ونشره في فيديو تحت عنوان: “بوصوف يكشف المسؤول عن عدم مشاركة مغاربة العالم سياسيا، وينقط لحكومات الفاسي وبنكيران والعثماني”.
إذا كانت المبادرة طيبة، تنويرا لأفراد الجالية خصوصا وللرأي العام الوطني عموما، وإذا كانت الأسئلة الفرعية المطروحة موضوعية بصفة عامة، إلا أن المحاور الرئيسية المعلن عنها في بداية الحوار كمدخل لم تناقش بكاملها. كمثال على ذلك السؤال القائل: إثنا عشرة سنة من التواجد على رأس مجلس الجالية المغربية في الخارج، ما هي المنجزات والإخفاقات؟ فإذا وقع التطرق بإ سهاب لـ”المجهودات” و”المنجزات” للمجلس، لم يتطرق الحوار قط إلى الإخفاقات والتعثرات والنواقص والانتقادات المعبر عنها بصفة مسؤولة عن الساحة العمومية وهي كثيرة.
من جانب آخر هناك سؤال نوعا ما مغلوط حيث يقول: “أي أثر أو تفاعل للحكومة مع آراء المجلس الاستشارية؟”، علما أن المجلس لم يصادق ولو على رأي استشاري واحد طيلة تواجده لـ12 سنة ، إذ الاختصاص موكول حسب الظهير للجمع العام للمجلس الذي لم يجتمع إلا مرة واحدة في يونيو 2008 لتنظيم هيا كله وأشغاله. هذا ليس «استخفافا بآراء المجلس» بقدر ما يعكس الحقيقة. زد على هذا أَن الأسئلة المطروحة محدودة جدا فيما يخص بعض الجوانب الرئيسية، مغفلة بعض المسؤوليات لإدارة مجلس الجالية المغربية بالخارخ.
هكذا أجري الحديث عن مسؤولية الحكومات المغربية المتعاقبة المكونة من أحزاب مختلفة منذ 2007 وأغلبياتها البرلمانية، في عدم التعاطي الإيجابي مع بنود الدستور والخطب ملكية فيما يخص المشاركة السياسية وتمثيل الجالية في مجلس النواب، لكن لا يحق أن نعرج أو أن نخفف من مسؤولية مسيري مجلس الجالية (الرئيس واالأمين العام وحتى “المدير العام” أو “المنسق العام” السابق المخلوع في صيف 2015).
هذا الثالوث يتحمل المسؤولية بدوره، حيث لم يقدم المجلس الرأي الاستشاري المطلوب منه إلى عاهل البلاد فيما يخص المشاركة السياسية. زِد على هذا كون المسؤولين عن المجلس خصصوا وقتهم والإمكانيات المتاحة لهُم مؤسساتيا لتبخيس المطلب الديمقراطي للجالية وترويج أسباب و”أدلة” مغرضة ضد هذه المشاركة، ناعتا في خرجات الأمين العام الإعلامية مقترحات قوانين الأحزاب لفائدة المشاركة بـ”المزايدات السياسوية”، ناكرا للأحزاب السياسية دورها الدستوري في تأطير المواطنين المغاربة وتكوينهم السياسي، سواء كانو داخل المغرب أو قاطنين بالخارج، ومختزلا علا قات المغاربة القاطنين بالخارج بوطنهم الأم (المغرب) في الجوانب الدينية والثقافية دون الأبعاد السياسية.
وحتى في هذا الحوار، إذا كان الأمين العام للمجلس يريد أن يظهر عبر انتقاداته شديدة اللهجة للحكومات المعنية وأغلبياتها المتتالية على أنه يناصر المشاركة السياسية، يتضح في آخر كلامه على أنه لا يساند عمليا هذه المشاركة حيث يقول:« الحقوق الدستورية لا يمكن تفعيلها في آن واحد». الأمين العام للمجلس مع مشاركة “غير سياسية” أي مساهمة تدريجية عبر مجالس الحكامة، في انتظار أن “تنضج” الأمور.. في الوقت الذي لا يقوم فيه المجلس بأي مجهود في هذا الاتجاه، بل العكس تماما. من هذا المنطلق، لا نفهم كيف أغلق منشط الحوار هذا الملف بسرعة، خصوصا وأنه كان من الضروري تصحيح بعض المعلومات وطرح أسئلة أخرى:
ـ تجربة تمثيلية الجالية في البرلمان انتهت في 1992 مع حكومة محم
كريم العمراني، لا في عهد عبد الرحمان اليوسفي الذي ترأس حكومة التناوب التوافقي ما بين 1998 وأواخر 2002.
-إذا لم يتم حسب عبد الله بوصوف تقييم تجربة تمثيل الجالية في مجلس النواب ما بين 1984 و1992 « والتي لا يمكن أن نحكم عليها اليوم لا بالفشل ولا بالنجاح والأرشيف، ما زالت موجودة في البرلمان»، لماذا لم يقم المجلس بهذه الدراسة لتجنب السلبيات وتعزيز الإيجابيات المتواجدة فعلا كما أظهرناها في كتابات ومقالات سابقة؟
– بعد الحديث عن تجربة 1984-1992 انتقل عبد الله بوصوف مباشرة إلى مكتسبات دستور 2011، متناسيا الخطاب الملكي المؤسس لـ6 نونمبر 2005 الذي أعلن فيه صاحب الجلالة محمد السا دس عن 4 «قرارات متكاملة »، من بينها تمثيل الجالية في مجلس النواب عبر دوائر انتخابية تشريعية بالخارج، لكن ما زلنا ننتظر التطبيق.
ـ كيف يفسر عبد الله بوصوف حرمان المواطنات والمواطنين المغاربة القاطنين في الخارج من مواطنتهم الكاملة وحرمانهم من حقوقهم السياسية بالنسبة للمغرب، إن لم يكن الخوف من النتائج وسيطرة الرؤى الأمنية على الجانب السياسي لملف الجالية؟ ليس بالتنكر لهذا المعطي كما يفعل الأمين العام للمجلس، سـ..«نبدع » نموذجا مغربيا لإشراك الجالية في الحياة الوطنية الديمقراطية.
وإذا كانت الحكومات المعنية لم تطبق الدستور في بنوده المتعلقة بالجالية، فإن المجلس بدوره لم يحترم مضمون المادة 17، ولم يطبق منذ إقرار دستور 2011 البند 179، كما أن إدارة مجلس الجالية لم تطبق في السنوات الأربعة الأولى (قبل دسترته) البند 25 من الظهير المؤسس للمجلس، القاضي بتقديم رأي استشاري للملك فيما يخص المجلس المقبل. عن كل هذه الجوانب لم يطرح الصحفي السؤال على الأمين العام للمجلس، كما أغفل السؤال عن عدم تنظيم الجمع السنوي العادي الملزم تنظيمه سنويا كل شهر نونمبر، حيث لم يلتئم الجمح العام لمجلس إلا مرة واحدة (بداية يونيو 2008) منذ نشأته في 21 دجنبر2007، أي منذ 12 سنة. هذه الأشياء تجعل من هذا الحوار غير متزن وغير معمق.
هناك فكرة أخرى يجب التوقف عندها. ينتقد بوصوف بشدة عدم تواجد سياسة شمولية إزاء مغاربة العالم، لكن يتناسى ما طلب منه ومن رئيس المجلس إدريس اليزمي أثناء الاستقبال الملكي لتعيينهما يوم 21 دجنبر 2007. في هذا الباب يقول بلاغ الديوان الملكي لنفس اليوم ما يلي:« وفي هذا الصدد، جدد جلالة الملك حرصه القوي على إسهام المجلس، بما يزخر به من طاقات ومؤهلات كقوة اقتراحية، بتعاون مع كافة السلطات، على بلورة استراتيجية وطنية جديدة في مجال الهجرة، شمولية ومتعددة الأبعاد، تأخذ بعين الاعتبار التطورات والتغييرات المتسارعة التي تعرفها، استراتيجبة قائمة في بعدها الوطني والجهوي والدولي، على تناسق وتكامل مع السلطات والهيآت المكلفة بها».
هناك فعلا دراسة تقررت سنة 2012 تحت تنسيق المعهد الملكي للدراسات الاستراتيجية ومشاركة مجلس الجالية ووزارة الجالية ومؤسسة الحسن الثاني للمغاربة المقيمين بالخارج، لبلورة استراتيجية لمغاربة العالم بدءا في أفق 2020 ثم مددت إلى 2030، لكن لأسباب منها تنظيمية ومنهجية، أخفقت هذه الدراسة رغم أنه صرف عليها مبلغ650 مليون سنتيم..، الشيء الذي جعل خطاب العرش لسنة 2015 يطالب الأطراف المعنية من جديد، ببلورة استراتيجية شمولية ومنسجمة تخص المغاربة المقيمين بالخارج، لكن ما زالت دار لقمان على حالها، رغم ما تدعيه وزارة الجالية القائلة بأن لها حقيقة هذه الاستراتيجية..
ملاحظة قد تبدو شكلية لكن لها دلالة: لا ندري كيف يقدم مرارا عبد الله بوصوف في هذا الحوار كرئيس لمجلس الجالية المغربية بالخارج دون أن يقع التصحيح من لدن الأمين العام؟
في الأخير، إذا كان الأمين العام ينادي بحوار مسؤول، هادئ وبناء، تعددي وديمقراطي فيما يخص المشاركة السياسية للجالية ومصير مجلس الجالية، فليبدأ بتنظيم نقاش مفتوح وتعددي في هذا الشأن في رواق المجلس بمناسبة معرض الكتاب المقبل بالدار البيضاء في الأسبوع الثاني لفبراير. إذا كان مستعدا للحوار، أبدي استعدادي للمساهمة بجانب مشاركين آخرين.

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here