مكابدات عـروة بــن الـــورد في شوارع غيرنكا العربية – محمد منيب البوريمي

0
227
المرحوم الدكتور محمد منيب البوريمي (1945 – 2001)

-يجلس الآن عُروة في رهجة القصف،

مؤتزرا بالدم العربي،

وحيدا.. يقاسمه وطن الشهداء فجيعته

يتحسس خاصرة الجسد المتوضئ في دمه،

ويميل على حفنة من تراب فلسطين.. يلثمها

ويصيح بنا:

(ها أنا.. قد دخلت دمي،

وائتزرتُ به, فاخرجوا من دم الميتة المتعفن/ واغتسلوا من جنابتكم

يا صعاليك قيس/ وعبس/ ونهد/ وطيّ/ ومن لا أسميهمو جهرة..)

– إن عروة يعرف أحبابه واحدا/ واحدا.

هو يعرف أعداءه واحدا/ واحدا.

قد تشابه لونُ الوجوه،

تداخل وجْه الصديق ووجه العدو،

تمازج ضحك العيون..

ووخز الخناجر في داميات الخصور.

تقاطع دمع القلوب،

ووقع الخطى في الدروب.

وصارت لوائح أسمائنا في يد الهابطين من الجوّ,

والطالعين من البحر, والزاحفين على البرّ, من كل فَج عميق، وفي

كل صعدة تل بِغوْر البقاع، وفاصلة في الطريق إلى مدن الردة/

الخوف/ والعطش الأبدي/ يرافقنا ظل أحبابنا وعدانا، فلا فرق/ لا

فرق.. بورك فيهم – لنا – من كرام،

قراهم لنا, رِفدهم رفدنا،

وفضاء الخيام دِثار لنا،

أيّ أحبابنا نرتضي غيرهم?..

– عروة الآن وسْط الدماء،

يرامق أحبابه من بعيد،

وبيروت في عرسها،

ترتدي وهجها الشبقي, تصيح به:

(إننا وحدنا/ وحدنا

فلنعانق توهج شهوتنا القاتلة.

نتداخل في دمنا حد لحم الصدور

بلحم الصدور, نقاتل أعداءنا خندقا/

خندقا/ نتخطى معا برزخ الفاصلة.

إنني/ إنني حامله..)

– يتهيأ عروة في وَلَه دافق،

ليرى لحْظة الطلق

تخرج من وهجها طفلة مشرقة.

تتخطى شظايا القنابل في وثبة فاغمة.

وتناغي تويجات أزهارها،

وتغني لِقبَّرة هائمه،

في سماء فلسطين/ بيروت/ بغداد/ وهران/ أو فاس/, والمدن

القادمة.

غير أن المحارب مستوحد،

شاحب وجهُه،

من مكابدة الرحلة الفاجعة.

وعلى شفتيه ارتماض السنين التي وزَّعته نثارا،

على غيمة في العراء…

مغاضبة نازعة.

– إنها فاس/

بيروت/

بغداد/

وهران/

……..

تأكل أبناءها جهرة – قال عروة –

ثم انتضى خرقة وارتمى ناشجا في البكاء.

يرى نفسه – لحظة في زحام الرصيف – صبيا قميئا –

براه الطوى،

يتضاءل من سغب ويصيح بنا – شاهرا سيفه/

شعره/

عشقه –

( من يريد اقتناء سلاح قديم يعلقه عند مدخل قصره/ أو

بيته/ أو بمدخل خيمته الفارهه؟..)

ليس للحرب أو للإغارة،

إنما كي يباع لقاء رغيف من الحب..

أو للإعارة..)

– أي (تماضر).. لا تجحفي في حسابي،

ذريني ونفسي, فإني يئست/ وأربكني الغدر/

لم أستطع حمل سيفي،

ولا تمكنت من جمحات حصاني…

(أقلي عليّ العتابا)،

وهاتي يديك نقاتل أعداءنا القبليين،

لا بل يديك نصافح أحبابنا الطبقيين..

إني منحت جنود الأمير اغتماض الجفون،

فلا (شتّ) نجد, ولا (عرعر) الشام, أو (زعتر) التّل،

يعرف زحفي (ضبوا), ولن أفجئ الحي (منسر) ليل

بأرض الجنوب, وإن ظل فتيان (عبس), و(قيس) و(نهد)

و(طيّ) يقاسمهم قائد الحرس القبلي كؤوس النبيذ.

يعلمهم كيف يمتهنون خيانة أوطانهم،

ويذودون عنها دم الفقراء.

محارق بيروت شاهده،

ومقاصل جلّق شاهده،

ومقاصف قاهرة النيل شاهده،

وموائد ساحلنا الأطلسي تحدث عنا أحبابنا:

(إن بعض الحديث..

كبعض القرى..).

– نثَّة من خضيل الدموع على لحيته،

أم بريق الشظية في جرحه،

يرتدي وقدةَ الهاجره؟..

(أم هو الحق يورد أحبابه التهلكه؟..)

في قرى كافره؟..

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here