ما زال أكثر من 50 ألف مواطن مغربي يعيشون في ليبيا بالرغم مما تعانيه منذ 2011، أكثر من 60% منهم هم مقيمون في ليبيا منذ أكثر من 20 سنة، معظمهم عائلات، كثيرون ممن عادوا بعد 2011 إلى المغرب بنية عدم الرجوع، عادوا إلى ليبيا بسبب عدم اكتراث الحكومات المغربية المتعاقبة بمعاناتهم، باستثناء التعامل الأمني تُجاههم وزيادة حدة التفتيش في المطار والتحقيق معهم كمجرمين، بالإضافة لسحب القنصليات من ليبيا تاركين وراءهم ذلك العدد الكبير من المهاجرين. فتارة يحاولون شمل الجميع على أنهم مهاجرون غير شرعيين وتارة يحاولون إضفاء صفة الإرهاب على من يتواجد في ليبيا من المغاربة، كما تقوم الآلة الإعلامية المخزنية بمحاولة إظهار عدد المتواجدين في ليبيا على أنهم قلة قليلة، بالرغم من أن القادمين بنية الهجرة إلى أوروبا ومن ينضم لمنظمات إرهابية لا يتعدى نسبة 2%.
كثيرون من المغاربة الذين عادوا إلى المغرب من ليبيا لم يستطيعوا الاندماج، ورجعوا إلى ليبيا لأن الحكومات المتعاقبة لم تضع خططاً لصالحهم لإدماجهم هم وأبناؤهم اجتماعياً، وتعويضهم عن وظائفهم وأعمالهم التي فقدوها، مما يبين أن الدولة لم ترغب في عودتهم. قليلون جداً هم من استطاعوا التأقلم في بلدهم والاستقرار فيه، بينما عدد كبير جدا رجعوا إلى ليبيا مفضلين الحرب الحقيقية على الحرب النفسية في بلدهم. بطالة وفساد إداري وواسطة ورشوة وغلاء فواتير الماء والكهرباء والمواصلات، وضرائب كثيرة على من يرغبون في إنشاء مشاريع صغيرة ومتوسطة وغير ذلك كثير، في بلد تمت مصادرته ومصادرة ثرواته من قبل ثلة الفساد.
كل تلك المعاناة، ولم تجد السلطات المغربية لــ“جاليتها” في ليبيا حلولاً إلا خلية أزمة تعاني نفسها من أزمة في الجهة التونسية من معبر رأس اجدير الحدودي، عبارة عن موظفين اثنين على كرسيين اثنين وطاولة من البلاستيك في العراء شتاءً وصيفاً، ربيعاً وخريفاً، يأتيان 4 أيام كل أسبوع لينجزا الوثائق الإدارية والقنصلية لمن كان محظوظاً من المغاربة في الوصول إليهما، منهم القادم من 200 كيلومتر، ومنهم القادم من 1000 كيلومتر، ومنهم القادم من مسافة تزيد عن 1500 كيلومتر، عابرين بوابات بعضها حقيقية وبعضها وهمية، ومنهم من تصادر جوازاتهم. وما زاد الوضع تأزماً هو منع السلطات الليبيية في معبر رأس اجدير المغاربة من العبور إلى خلية الأزمة، مما جعل كل المغاربة يتخوفون من الذهاب إلى المكان الوحيد الذي يمكنهم فيه استخراج وتجديد جوازات سفرهم، وبالتالي عدم قدرتهم على تجديد إقاماتهم، فيصبحون غير قانونيين مما يجعل كثيرا منهم يهاجرون بشكل غير قانوني إلى أوروبا، أو يموتون في البحر، أو يمكثون في ليبيا، يعيشون مع أهلها حتى تصيبهم رصاصة أو قذيفة أو صاروخ ينهي حياتهم كما حدث لكثيرين منذ 2011، كان آخرهم من لقوا حتفهم في قصف طائرة على مقر الهجرة غير “الشرعية” بتاجوراء، شرق طرابلس، وكما حدث للفقيد المواطن المغربي عبد الحق شقرون، الذي وافته المنية بسبب قذيفة أصابته شظاياها قبل أيام، فلا يجد مسؤولو الدولة ما يقدمونه إلا التصريح بعجزهم والتكلف بمصاريف نقل بعض الجثامين لدفنهم في المغرب، معتبرين ذلك جميلاً وعرفاناً، وكأنهم هم أصحاب المال وليس الشعب.
إن اهتمام الدولة بمواطنيها يظهر في الأزمات والكوارث، وسيتذكر مغاربة ليبيا الإهمال المفرط من قبل السلطات المغربية، بل وقيامها بما يزيد من حدة الأزمة من تحقيقات وإهانة وكثرة الطلبات والتعقيدات البيرقراطية لاستخراج أو استبدال الجواز أو بطاقة التعريف الوطنية أو باقي الإجراءات، بل وأكثر من ذلك، إرغام مغاربة ليبيا على دفع الرسوم المالية الخاصة بجواز السفر وبطاقة التعريف الوطنية وغيرها كاملة وبالدينار التونسي، كما أن موظفي القنصلية لا يردون على الاتصالات الهاتفية إلاً نادراً جدا.
إن هذه الحالة التي أصبحت عليها الجالية المغربية لا تؤكد إلا أن الدولة بكل مؤسساتها فاشلة، تهتم لثروات الوطن ولا تهتم للمواطنين، إلا عند اقتراب موعد الانتخابات أو عندما يكونون قادرين على تحويل العملات الأجنبية. أما عند الأزمات، فموظفوها أهم بكثير من المواطنين في المهجر، تخشى عليهم ولا خشية على المواطنين، فهي تسامح المتهربين من الضرائب من رؤوس الأموال الكبار، وتسامح ناهبي المال العام لأن القائمين على الدولة أيضاً فاسدون، فساد يغطي على فساد، وعند الله تلتقي الخصوم.
تبا لكل مسؤول مغربي لا يقوم بواجبه، تبا لكل ناهب للمال العام، تبا لكل فاسد، تبا لمن يخدعون الناس بالوعود الكاذبة، وتبا لمن يتاجرون بمعاناة المواطنين، ونسأل الله المغفرة والرحمة لمن وافتهم المنية.