كاتب مغربي مقيم بأمستردام
يبدو أننا نعيش في أبراج خيالية عالية، ونحن آخر من يعرف أقصر الطرق إلى العقول الغبية، التي نضبت فيها طاقة الإبداع، وراحت تحقق ذاتها وأحلامها بالرقية اللاشرعية والتمائم وتفسير الأحلام وزرع الأوهام، وممارسة الشعوذة والعلاج بالطاقة الروحية، وكل أنواع التنويم المغناطيسي والضحك على العقول الفارغة والمحبطة واليائسة، والتحنقيز عفوا التحفيز بالتعمية البشرية الساذجة، لأن التنمية البشرية الحقة، هي علم وفن رفيع، يعتمد بالأساس على قوة الخطابة واللغة، والذكاء والعبقرية والتجارب الطويلة، والجرأة والإبتكار والإبداع، وليس كل من حضر دورة أو دورتين أو تدريبا لأسبوع أو شهر، ونال شهادة الحضور في هذه الدورات والتداريب، له الحق والقدرة على إعطاء دروس في الكوتشين، وتنظيم دورات تدريبية مؤدى عنها، لفئة لا تبحث هي أيضا إلا عن شهادة الحضور، وليس عن شهادة الاستحقاق والكفاءة العالية، لتوجيه الناس إلى أقصر طرق النجاح وتنمية قدراتهم العقلية والذهنية، وتحسين أحوالهم المزاجية والعاطفية والنفسية، وأدائهم الوظيفي والمهني والسلوكي.
وإذا كان أصحاب الفكر والأدب والشعر والفن الملتزم الرفيع، ينأون بأنفسهم من السقوط في هذه المستنقعات، فلأنهم يؤمنون بسمو رسالتهم، مهما كان الإقبال على إبداعهم وإنتاجاتهم ضعيفا، ومهما نالهم من الإقصاء والتهميش والإهمال، وهذا هو المعنى الحقيقي لأن تكون مبدعا ملتزما في زمن التفاهة والبلادة والعبث بالعقول الفارغة، والمعنى الحقيقي لأن تبقى شمعة مضيئة في ظلام الفوضى الأخلاقية، وسراديب الخراب العقلي والنفسي والروحي.
أن تكون مبدعا أصيلا حقا، معناه أن تكون متفردا ومتميزا في إبداعك، ولا تكون نسخة مكررة من الآخرين، تجتر ما أنتجوه من خطابات وإبداعات، وفي نفس الوقت تبقى وفيا لمبادئك وقيم مجتمعك الأصيلة، تمتح من ثراته وأصالته ومعاييره النفسية الاجتماعية، ملتزما بقضاياه وهمومه، مساهما في حل مشاكله وعوائق نهضته، حريصا كل الحرص على أمنه الروحي والنفسي والأخلاقي، لا تغرك المناصب الفارغة، والتهافت على الغنائم والهدايا والعطايا، المختومة بالاستقطاب السياسي، والتدجين والتطويع السلطوي، حاضرا في جبهات الدفاع عنه، ضد كل أنواع التضبيع، والتطبيل للتافهين، والتطبيع مع التفاهة والميوعة والعبث المقيت، وكل أشكال التخريب العقلي والنفسي والروحي والسلوكي.
أن تكون مبدعا معناه أن تسخر إبداعك للسمو والرقي الاجتماعي والإنساني، وأن تظل حارسا على بوابةالصرح التاريخي والحضاري لمجتمعك وأمتك.