– يا سيدي وهل أصبحتم تحاكمون الناس على مشاعرهم وأحلامهم؟
هكذا أجبت القاضي بعدما وجه إلي تهما غريبة جدا حتى خلتني في حلم أو كابوس وأنا التي من عادتي ألا أتذكر أحلامي الليلية إلا نادرا .
– هل تنكرين أنك تحلمين بمدينة فاضلة؟
– لا أنكر طبعا فكل الناس قد يحلمون بذلك!
– وهل تنكرين أنك ترين أن بلادنا تفتقر للديموقراطية وأنك
ممن يحلمون بأن يحكم الشعب نفسه بنفسه في يوم من الأيام ؟ وأنك من هؤلاء الذين يتمنون أن تسود حرية التعبير وأن تصبح الصحافة حرة تصدح بما تشاء وأن يترك الحبل على الغارب لنخبة المثقفين يقولون ما يشاؤون ويتفلسفون وينظِّرون بدون حساب أو عقاب ، وأن يصبح التعليم لدينا تقدميا لا يكرس الفوارق الطبقية والاجتماعية؟ وتريدين أيضا أن يتساوى الوزير والفقير في الحقوق والواجبات ؟ ألا تحلمين بكل هذا ؟
– بلا ،بلا وما العيب في ذلك؟ إنها مجرد أحلام وأماني كما
تقولون بأنفسكم،سيدي القاضي!
أنا أحلم كما المواطنين جميعا بأشياء كثيرة ..أحلم أيضا بفصل السلط وبقضاء عادل وانتخابات حرة ونزيهة ،أحلم بالعدل والحرية والمساواة ..أحلم بتقدم بلادي وازدهارها ..أحلم بيوم تنعدم فيه الجرائم ويسود فيه الأمن والأمان ..أحلم بيوم ينعدم فيه الفقراء ..بيوم لا يشعر فيه المواطن بالحرمان والقهر والشقاء ..بيوم ينام فيه المسؤولون في بلدي دون حراس ودون غلق للأبواب كما نام عمر بن الخطاب تحت الشجرة بعدما عدل بين الناس. أليست هذه كلها أحلام مشروعة؟
– ألا تعرفين أن الأحلام ممنوعة؟
– لم أكن أعرف ذلك قبل اليوم!
– من الحلم تتولد الفكرة ومن الأفكار تنتج الآراء ومن الآراء
تتبلور النظريات ثم الحركات والأحزاب الاجتماعية والسياسية ..ألا تعلمين أن ممارسة السياسة في بلادنا جرم عظيم؟
– ومتى مارستها يا سيدي؟
– في الحلم!
– اعذرني، سيدي ، وكيف يمكن أن يتحكم الإنسان في أحلامه؟
– هل تهزئين من المحكمة؟
– لا أبدا ..كان سؤالي بديهيا ..هل يمكن أن يعيش الإنسان
بدون أحلام ؟
– سؤالك هذا حجة عليكِ ..إنه يؤكد جرمك الفظيع ! إنك مذنبة
لقد اعترفت بكل ما نسب إليك!
– هل لديكِ أقوال أخرى ؟
– لدي الكثير والكثير ..لكني أطلب من محكمتكم الموقرة أن
تمهلني بعض الوقت كي أستريح وأنام لعلي أغفو قليلا فأحلم بأشياء أفضل من هذه !
– كيف ذلك وبماذا تريدين أن تحلمي؟
– أحلم بأن بلادي أصبحت فجأة أحسن البلدان وبأنها
للديمقراطية عنوان وبأنها تحترم حقوق الإنسان وبأن لا أحد ينام في البرلمان وبأن كل من ألف كتابا أو شعارا أو اخترع نظرية جديدة في السياسة أو العلوم أو الاقتصاد أو الآداب .. توج تتويج الأبطال وكوفئ بالميداليات تحت التصفيق والتزمير والألحان وبأن العدل والحرية والمساواة تسود في أرض الوطن منذ سالف العصر والزمان!
– ويحك أو ليست هذه هي الحقيقة ؟ كيف تتجرئين؟ كيف
تشكين في مصداقية الفاعلين السياسيين ؟ كيف تكذِّبين الواقع وتصدقين أحلامك التافهة ؟ لقد بالغت في السخرية والاستهزاء من هيئة المحكمة ..لذا قررنا أن نسجنك وأن نمنع عنك النوم والراحة نهائيا حتى لا تحلمي مجددا.
– رفعت المحكمة