Home Slider site محاضرة الشاعر الأستاذ يوسف الهواري : المرأة المهاجرة بين مدونتين – نجاة...
في أول مؤتمر ثقافي بأمستردام والذي كان تحت عنوان: “هوية المرأة المهاجرة بين ثقافتين”، بسط لنا الأستاذ يوسف الهواري قوانين مدونتي الأحوال الشخصية المغربيتين في محاضرته القيمة.
بهدوء وروية وسرد متناسق لمعلومات قانونية واجتماعية، جعل الأستاذ يوسف الهواري، ممثل المجلس الأوروعربي للفكر الفلسفي والروحي بهولندا، الحضور يتابع محاضرته بشغف واهتمام.
حدثنا في المقدمة عن تاريخ صدور مدونة الأسرة، حيث أشار إلى أن مدونة الأسرة جاءت في العشر سنوات الأخيرة كنقطة تحول في القانون المدني المغربي. بينما عرفت في هولندا منذ زمان لأن القانون في هولندا قانون وضعي إنساني وضع ليحدد العلاقة بين الرجل والمرأة أو قانون يحدد العلاقة الأسرية. في المغرب كان تدخل الملك في سنة 2004 تدخلا قويا إذ ضغط بكل ما أوتي من قوة على كل المؤسسات الفقهية والعلمية ليخرج قانون الأسرة الجديد إلى حيز الوجود.
أضاف الأستاذ يوسف قائلا أن قانون الأسرة أو القانون الذي يربط أفراد الأسرة بعضهم ببعض، هو قانون إنساني قديم قدم الإنسان، وعلاقاته تحدد حسب ما جاء به القرآن الكريم نصا واضحا في سورة النساء: “يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً، وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ، إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً.”.
معناها أن العلاقات تحدد في الأوساط الأسرية بناء على مرجعية واحدة وقانون واحد يحدد كل الضوابط ألا وهو التقوى، التقوى بالمفهوم اللغوي الحديث هو احترام الآخر، أن تتقي الله في إنسان آخر، أن تعطيه حقه، أن تحترمه، أن تحس بشعوره، أن تحترم إنسانيته. فالمدونة بكل فصولها، سواء المدونة الأسرية الهولندية أو المدونة المغربية في عمقهما تنطلقان من الإنسان لتصلا إلى الإنسان.
ينتقل الأستاذ يوسف الهواري إلى الحديث عن الفرق بين المدونتين، ففي هولندا تطبق هذهالمدونة وتحترم ويسهر عليها أناس حريصون على تطبيق القانون كاملا، لكن قانون مدونة الأسرة في المغرب لايعترف به. ويشير الأستاذ يوسف الهواري إلى أننا نفتقد إلى هذا سيد الأشياء ألا وهو “القانون” . يشير الأستاذ يوسف إلى أن الدعوة الآن مفتوحة لتثبيت ولتنزيل دستور 2011 الذي نص على احترام تطبيق مدونة الأسرة التي جاءت في أحكامها، في أبوابها، في فصولها، لتحدد العلاقة ما بين الزوج والزوجة وتربط الحياة الأسرية بناء على الفصول المتتالية. ابتداء من الخطبة، إلى الزواج، إلى المعرفة إلى الأبناء.. إلخ إلى الطلاق. وكان هذا الطلاق في القانون المدني القديم مشكلة كبيرة تعاني منها المرأة ويدفع ثمناه الرجل من ظلمه للمرأة في المدونة القديمة. لأن الضحية الأولى للقانون أو الفقه القديم الذي كان يعتمد على نصوص تؤكد على أن الولاية للرجل هم الأبناء، الذين لا يضمن حقهم أي أحد.
يقربنا الأستاذ يوسف الهواري من مفهوم الروابط الإنسانية، وذلك بذكره أننا في معاشراتنا لزوجاتنا وفي حياتنا الأسرية لا نرتبط بروابط إنسانية قيمية، معناها كما جاء في كتاب الله العزيز “إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان”، وهذه واضحة وضوح الشمس، إما أن نلتقي ونتعامل في إطار الود والاحترام المتبادل أو نفترق. لكن افتراقنا في ثقافتنا العربية، في ثقافتنا المغربية كمرجعية، يكون دائما مصحوبا بالمشاكل.. ومشاركتنا للأبناء تبقى مشاركة اجتماعية عادية: الحق في رؤية الأبناء واقتسام عملية التربية.. ويكون الأبناء شراكة بين الزوجين.. الزواج ارتباط قدسي مقدس إلى أن يحصل الفراق. وإذا حدث تبدأ الحرب بين الأسر. ولا نص قانوني يضمن لأي طرف من الطرفين الحق في الحياة العادية وحق الحياة للأطفال.
يشير الأستاذ يوسف الهواري إلى التغيرات التي حدثت بعد تشريع المدونة، حيث كانت مشاكل الطلاق آنذاك أعظم، لأن المرأة كانت تضطر إلى الخروج مع الأبناء إلى الشارع، بينما يحترم قانون مدونة الأسرة المغربية الحديثة بعض الشروط والحقوق في الحياة العائلية. إذا أخذنا الزواج كميثاق، فالسبب الأول فسره علماء الفقه على أنه ميثاق ترابط و تراض شرعي بين رجل وامرأة على وجه الدوام غايته الإحصان، وغايته العفاف من أجل إنشاء أسرة سوية عادلة. ما نلاحظه الآن من تغيرات، هيتغيرات ظهرت وطرأت مع مدونة الأسرة المغربية وليس الهولندية، لأن الهولندية مثبتة منذ القديم، لأنها مبنية على أسس إنسانية ودائما الإنسان هو المحور. في المغرب أعطيت الصلاحية الآن للأنثى أن تختار زوحها، دون الرجوع إلى الولي. وهنا من الفقهاء وعلماء الفقه لن يبطلوا العقد إذا لم يكن في حضور الولي. لكن المدونة أعطت الحق للبنت البالغة الراشدة أن تحدد مصيرها بنفسها أو أن يتدخل أحد الأطراف “القاضي” ليكمل عقد زواجها. أما في السابق فكانت الفتاة إذا تزوجت بدون إذن الولي يصبح العقد شرعا باطلا. وهنا الاختيار في الوصاية كان لهدف الاختيار وتحديد سن الزواج أي بلوغ سن الرشد، الآن حدد في 18 سنة، حين يصل الإنسان إلى نقطة يستطيع من خلالها أن يدرك مابين الخطإ والصواب.. أن يستطيع أن يقرر مصيره بنفسه.. وأن يختار لنفسه بنفسه.
يخبرنا الأستاذ يوسف الهواري بنقطة تغير مهمة بالنسبة للزوجين شرعت في مدونة الأسرة:
الآن ورد بالمدونة أيضا حق المرأة في قبول تعدد الزوج أو رفضه. في المدونة القديمة كان يستطيع الزوج أن يتزوج مثنى وثلاثا ورباعا دون إشعار الزوجة الأولى ودون علمها، الآن أصبح القاضي لايمكنه أن يوافق على زواج شخص من امرأة ثانية أو ثالثة أو رابعة إلا بحضور السيدة الأولى، وموافقتها. هنا تعطى الصلاحية للزوجة في اختيار من سيشاركها حياتها.. إن رفضت فلها الحق.. وإن قبلت فلها الحق. هنا نعود لإعطاء حق الإنسان في إنسانيته، وليس هنا أي تعارض مع النص الشرعي أبدا. أصبحنا الآن نعيش حياة هادئة لأن كرامة المرأة أصبحت مصانة، ولها الحق في قبول أو رفض زواج زوجها بأخرى، كما لها الحق في الخلع إذا لم تتقبل تعدد الزوجات، فمدونة الأسرة أصدرت تعديلات مهمة في القانون المدني.
ينتقل محاضرنا الأستاذ الشاعر يوسف الهواري إلى الحديث عن أهمية الجمعيات قائلا: ما نحتاجه من مؤسسة كليوباترا أو من النساء المغربيات والنساء العربيات في المهجر هو تأسيس منظمات من أجل الاستماع إلى مشاكل البعض من أجل التفاهم ومن أجل مصلحة الأبناء. حيث أن بعض النساء تعانين من مشاكل الطلاق. لأن الاتفاقيات غير متوازية بين المغرب وهولندا. علما على أنها نفس المدونة، لكن في المغرب لا يقبل بتذييل عريضة الطلاق المذيلة في هولندا. وهذه من أخطر الأشياء التي تعاني منها المرأة حاليا. كثير من النساء مطلقات في هولندا، ومتابعات في المغرب بالرجوع إلى بيت الطاعة.
هنا يرى الأستاذ يوسف الهواري أن على الشباب المغاربة المقيمين بهولندا والمتخصصين في القانون المدني أن يقوموا بدور مهم في تنوير الجالية المغربية وذلك بالتعامل مع جمعيات النساء المغربيات وكذلك جمعيات المجمتع المغربي المدني في المهجر، لتقريب وجهات النظر والتدخل لمقاربة مدونات الأسرة ما بين المغرب وهولندا، ومحاولة حل الأزمات التي يعاني منها المهاجرون كأزمة المهجر، وأزمة الفكر، والأزمات الزوجية والأزمات الأسرية التي تنشأ عنها مصائب كثيرة منها انحلال الأطفال والتشرد.
يختم الأستاذ يوسف الهواري محاضرته القيمة بتمنيه أن يكون قد أعطى بعض الإشارات بالمقاربة بين المدونتين، داعيا الحضور الكريم إلى الوضوح مع نفسه و مع غيره.. وأن يعيش بحب وسلام، وأن يعمل على قبول الآخر، وأن يتصالح مع ذاته، ويتصالح كذلك مع النصوص التي تحدد علاقاته ببعضه.