أعلن قصر الإليزيه أنّ الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، اعترف الثلاثاء بأنّ المحامي والزعيم القومي الجزائري علي بومنجل “تعرّض للتعذيب والقتل” على أيدي الجيش الفرنسي خلال الحرب الجزائرية في 1957، ولم ينتحر ،كما حاولت باريس تصوير الجريمة في حينه.
وقالت الرئاسة الفرنسية، وفق ما أوردته وكالة “فرانس برس”، إنّ ماكرون أدلى بنفسه بهذا الاعتراف “باسم فرنسا” وأمام أحفاد بومنجل الذين استقبلهم الثلاثاء، وذلك في إطار مبادرات أوصى بها المؤرّخ بنجامين ستورا في تقريره عن ذاكرة الاستعمار وحرب الجزائر التي وضعت أوزارها في 1962، وما زالت حلقة مؤلمة للغاية في ذاكرة عائلات ملايين من الفرنسيين والجزائريين.
وفي يونيو/ حزيران الماضي، اتفق ماكرون مع الرئيس الجزائري تبون، على تكليف شخصيتين بمتابعة ملف الذاكرة، إذ كُلِّف مدير الأرشيف عبد المجيد شيخي عن الجانب الجزائري، وستورا عن الجانب الفرنسي.
واتهم المؤرخ شيخي، أواخر 2020، باريس بالتهرب من معالجة جدية لملف الذاكرة، المتضمن عدة مشكلات عالقة حتى الآن بين البلدين، تخصّ خرائط الألغام التي زرعها الاستعمار على الحدود مع تونس والمغرب، وما زالت تخلّف ضحايا بين الحين والآخر، وملف التفجيرات النووية نهاية الخمسينيات التي ما زالت آثار إشعاعاتها السامة موجودة حتى الوقت الراهن، إضافة إلى ملف المجازر والإبادة الجماعية والأرشيف الجزائري المهرب إلى باريس وغيرها من الملفات.
وكان الأمين العام بالنيابة لمنظمة المجاهدين (قدماء محاربي ثورة التحرير) محند واعمر بن الحاج، قد ذكر في بيان مصور، أن التقرير الذي أعده ستورا عن الاستعمار وحرب التحرير أغفل تماماً الجرائم الاستعمارية، وحاول طمسها واختزال ملف الذاكرة والمصالحة في إطار احتفال رمزي لطيّ صفحة الاعتراف والاعتذار”.
وأضاف أن التقرير كُتب لأغراض سياسية، وأظهر محدوديته الكبيرة في سرد الحقائق التاريخية، مشيراً إلى أن المؤرخ ستورا انقلب تماماً على مواقفه السابقة، إذ كان “قد تطرق في كتاباته السابقة إلى الجانب المظلم من تاريخ فرنسا الاستعماري، بينما أغفل تماماً الحديث في تقريره عن مختلف الجرائم الاستعمارية التي مارستها الدولة الفرنسية باعتراف الفرنسيين أنفسهم”.
وكان ستورا قد صاغ تقريره وقدمه لماكرون في 20 يناير/ كانون الثاني الماضي وتضمن تصوراً من 22 خطوة وتوصية لمعالجة ملف الذاكرة بين الجزائر وفرنسا، لكنه لم يتضمن أية توصية بتقديم اعتذارات فرنسية عن جرائم الاستعمار في الجزائر.
ودام الاستعمار الفرنسي للجزائر بين 1830 و1962، إذ تقول السلطات الجزائرية ومؤرخون إن هذه الفترة شهدت جرائم قتل بحق قرابة 5 ملايين شخص، إلى جانب حملات تهجير ونهب الثروات، وسرقة آلاف الوثائق وقطع تاريخية وأثرية، منها ما يعود إلى الحقبة العثمانية (1515-1830).
ويردد المسؤولون الفرنسيون في عدة مناسبات ضرورة طيّ الجزائر صفحة الماضي الاستعماري وفتح صفحة جديدة، لكن الجزائر طالبت مراراً باعتراف رسمي من باريس بجرائم الاستعمار.