(( لوعة الغربة ٠٠ !! )) الشاعرة اللبنانية إيفا سليمان :
” هات اسقنيها ولا تبخل بسقيانا
فنحن قوم زرعنا الأرض إحسانا
سل من تشاء بدنيا الناس قاطبة
ينبيك عنّا بما يغنيك إيمانا
لبنان كان على الأيام منتجعاً
للأنبياء وفي التأويل رضوانا
فيه استظلّوا بعطف الله عن كثبٍ
حتى أناروا بهدي منه دنيانا
(داود) أنشد عند الأرز رائعةً
ما أطربت مثلها للناس آذانا
أمّا المسيح أغنت عجائبه
عطاش قومٍ حيارى في حمى قانا
تلمّس الدنّ في رفق وباركه
وقال ربّي أزد في خمر لبنانا
وراح يسقي طفاحاً كلّ ذي ظمئ
كأنّما الدنّ نبعٌ فاض تحنانا
منه ارتوينا بظل الأرز من قِدَمٍ
حتى غدونا على الأيّام عقبانا
نأبى الهوان ونرتدي كلّ طاغيةٍ
يسعى إلى الشرّ إلاما وعدوانا
تبارك الله ما أنقى سريرتنا
وقد هُدينا فوفّقنا بمسعانا
وخيّم السلم في لبنان وانقشعت
تلك الغيوم التي حاقت برؤيانا ” ٠
( قصيدة : هات اسقنيها )
——-
من بيروت التاريخ، والتراث التليد ملتقى الحياة، مدينة العشق والجمال والشعر، عروس الشام، جنة الأرز ، حيث تتلاقى بين أهدابها ظلال منظومة الفنون الجميلة، رسالة تحمل كلمات ومعان تعكس لحظات الواقع والخيال ٠٠٠
ومن ثم كنا مع موعد بين غربة وحنين ومهجر الذات في عزلة الأنا، التي تختصر حصاد الحلم والوجع معا.
إنها معادلة الاستثناء لحكايات وأسرار النوارس، التي تعانق خضرة الجبال الشاهقة، تحكي موال الأصالة وعبقرية الإنسان هكذا ٠٠
كان لنا هذا اللقاء مع شاعرة بيروت عاشقة الوطن، ولم لا فهي الطائر الشادي بقيم الإنسانية في حب وسلام، إنها إيفا سليمان؛
ولدت الشاعرة اللبنانية إيفا فؤاد سليمان في بيروت، حيث الجذور العتيقة، وقد ترعرعت بين ربوع هذه الطبيعة الخلابة الفيحاء ٠٠٠
ولذا تمتلك مشاعر صادقة ومرهفة، وظفتها في قصائدها التي تزخر بمفردات جمالية، وصور خيالية، وإيقاعات تجذب حواس المتلقي والمتأمل لرحلة الإبداع الفني المتنامي، في تباين تسطر ملامح العشق، حيث داخل بواعث فلسفية حوارية لها دلالات تكشف المسار مع صدي الرمزية والرومانسية في واقعية.
لترسم فيوضات خريطة تنطق بالكثير والكثير لهذه المنطقة، التي تعيش لحظات جدل بين أرباب الفنون كل يوم مع هذا الميدان.
وتخرجت في جامعة بيروت العربية في كلية الآداب قسم اللغة العربية. ومن ثم وجدت ضالتها في بستان اللغة الجميلة، أضف إلى موهبتها فوالدها كان شاعرا له بصمات في الشعر اللبناني المعاصر.
* لها ديوان شعر بعنوان ( إلى امرأة ) ٠
تقول إيفا سليمان في قصيدة بعنوان ( النخّاس )، حيث تصف لنا مأساة العرب بين الصراع وجراح الوطن، وقتل الجمال، وتعطيل مظاهر الحياة في انطلاقة تلخص المشهد :
حزنت لموطن الحسن الأنيقِ
يشوه بالقنابل والحريق
وقناصٍ على الفجوات يرمي
صغاراً يلعبون على الطريقِ
وامرأةً على سطح تراءت
لتنشر للغسيل مع الشروقِ
قبيل الصبح تلسعها رياحٌ
وصوت صغيرها الباكي العجوقِ
أصابتها الرصاصة في حشاها
وكانت صُنْع (بودغورنِ)الرشيق
هداها للعروبة والأماني
مع الإهداء في الوطن الأنيقِ
ألاقيكم لأشرب نخب عهدٍ
جديدٍ من عروبتكم طليقِ
وهي تكتب الشعر بكل أشكاله، وتميل إلى العمودي، الذي تأثرت به منذ عهدها بالدراسة تطبيقا، من خلال مناهج ومدارس ومذاهب الأدبي العربي.
فقد تأثرت بشعراء المهجر الرومانسيين بنظرة لفلسفة الجمال، أضف إلى شعر المقاومة والوطنية والغزل والطبيعة ٠٠٠
مختارات من شعرها :
=============
تقول الشاعرة اللبنانية إيفا سليمان في قصيدة بعنوان (لوعة الغربة)، تصور فيها تباريح الذات بين صراعات المجتمع، وتعثر ميلاد الحلم المنتظر من خلال مخاض القصيدة، التي تستوعب تجربتها بكافة الاتجاهات من زوايا فنية تمض بروح الإبداع في تلقائية :
عامان مرا على بعدي وتشريدي
عن موطن الحسن عن أهلي ومولودي
فضاق صدري وفاض الشوق في كبدي
وعشت لوعة حرى وتنكيد
واليوم والعيد قد عادت بشائره
أن تسعد الناس في أشهى المواعيد
أرنو إلى الأفق على الأفق يجمعني
على مداه بأهلي في سنا العيد
فيحجب البعد عن عيني وجوههم
حتى لأقنط من سعيي ومجهود
قد كان عيدي سعيدا” في معيتهم
كالكرم يزهو بأقطاف العناقيد
واليوم في غربتي عنهم ووحشتها
حاكى المأتم في أسجافها السود
كأنما الله للآلام أوجدني
وللرزايا فجودي أدمعي جودي.
***
وتنتقل بنا في ارتقاء، حيث تصور لنا عالمها المتداخل في هدوء، فتقول في قصيدة أخر بعنوان (رثاء لوالدي الحبيب) تعكس أحزانها؛ كن منطلق الحنان والأبوة في رسالة إلى العالم المتشابك متسائلة عن لحظات العمر وقيمة الحياة :
ماذا أقول وقد قضى عمرُ
الأجل الذي قد كان ينتظرُ
أبتي فداك الروح يا أبتي
والروح ملك الله لا البشرُ
لو استطاع الناس ما برحوا
دنيا التراب ولو هُمُ خسروا
أقدامهم بالطين لاصقةٌ
وقلوبهم من أجلها نذروا
فإذا توفىّ الموت واحدهم
شقّوا الثياب ورأسهم حسروا
وتوجّعوا وتلوّعوا أسفا
وخدودهم بكفوفهم نقروا
فكأنّه ما كان من حمإ
مسنون كالفخّار ينكسروا
هذا الذي أضناني يا أبتي
في موتك المحتوم يا عُمَروُ
أتراني أبكي والدنى كدر
أضنى الذين بساحها أسروا
وحباك ربيّ رحمة فعفا
بالموت عنك فسرّني الظفرُ
أنا ما عققت رضاك يا أبتي
أو ملّ من رؤياك لي نظرُ
يا خيرة الآباء ما فرحي
في تركك الدنيا سوى صورُ
عن من بمهدٍ كان يحضنني
وأنا ضعيف القدر محتقرُ
في كدّه في سعيه كرما
وبما بصدره كان يدّخرُ
ربّيتني وهديتني خلقاً
محمودة فانعم أيا عُمَروُ
في جنّة الرحمان مثوبة
للصالحين ومن بها ظفروا ٠
وبعد هذا العرض الموجز لشعر الشاعرة إيفا فؤاد سليمان، التي تعانق وحي الكلمات في إيحاءات كحاد غريب مع أنشودة الليل، وعشق الوطن، فنراها تسبح بين موال الجمال ترسم لوحاتها الفضفاضة بكل مقاييس الإبداع الفني، كي تختصر رحلة الحياة في تناغم وحضور، برغم مأساة تحدق بالمنطقة تحجز لحظات الصفاء، فتنهض آفاق المنطلق لتمزج فكرتها وجدانيا من منظور الكلمة الشاعرة دائما.