مع تغير المناخ تزداد حموضة المحيطات، ويزداد تهديد الحياة البحرية، وهي الموضوعات التي تحظى بدراسات عدة من العلماء في جامعات العالم. وفي هذا الإطار نشرت دورية “فيسيولوجيكال آند بايوكيميكال زولوجي” (Physiological and Biochemical Zoology) في عددها الـ49 من العام الحالي ورقة بحثية تدرس تأثير المياه الحمضية في الأخطبوط سواء على المدى القريب أو البعيد.
ويرجح العلماء أن تقدم هذه الدراسة نظرة ثاقبة عن كيفية تأثير الأنشطة البشرية في العالم من حولنا، والطريقة التي يتكيف بها النظام الحيوي ردًا على الآثار التخريبية لتلك الأنشطة.
معدل الأيض الروتيني
ووفقا للبيان الصحفي المنشور على “يونيفيرسيتي أوف شيكاغو بريس جرونالز” (University of Chicago Press Journals)، فقد ركز باحثون من جامعة “والا والا” (Walla Walla University) بالتعاون مع باحثين من جامعة “لا سييرا” (La Sierra University) على دراسة تأثير الضغط الجزئي لثاني أكسيد الكربون (PCO2) المنحل في الماء -وهو مقياس لثاني أكسيد الكربون- في الدم الشرياني أو الوريدي.
ودرسوا تأثيره في معدل التمثيل الغذائي للأخطبوط الذي يعيش في تلك المياه الحمضية نتيجة زيادة ثاني أكسيد الكربون. ويعد ثاني أكسيد الكربون مؤشرا رئيسا على الحموضة المتزايدة لمحيطاتنا، لأن كثيرا من الغاز الذي يطلقه البشر في الهواء يذوب في مياه البحر.
واستخدم الباحثون أخطبوط شرق المحيط الهادي الأحمر المعروف أيضا باسم الأخطبوط روبي (Octopus rubescens) وهو نوع صغير من الأخطبوط يستوطن الساحل الغربي لأميركا الشمالية، وعرّضوا العينات لزيادة الحموضة الناتجة عن ثاني أكسيد الكربون لمدة 5 أسابيع.
ثم قاس الباحثون معدل الأيض الروتيني (RMR) في أول التجربة إذ لم تكن لدى العينات تجربة سابقة مع المياه الحمضية، ثم قاسوه مرة أخرى بعد أسبوع واحد، ثم بعد مرور 5 أسابيع، فضلا عن قياس ضغط الأكسجين الحرج للعينات المختبرة عند مرور مدة 5 أسابيع أيضا.
التغيرات الفسيولوجية
وتعدّ معدلات التمثيل الغذائي المؤشر الأهم في عملية التقييم لأن التغيرات الفسيولوجية -مثل ضمور الأعضاء أو انخفاض معدل النمو- تنعكس في التمثيل الغذائي، فالتغيرات في علم وظائف الأعضاء هي في الأساس تغيرات في استخدام الطاقة، ويمكن ملاحظتها عن طريق مراقبة التمثيل الغذائي.
وعكست النتائج قدرا مذهلا من القدرة على التكيف في العينات المختبرة، فقد أظهرت العينات مستويات عالية من التغير الأيضي في 24 ساعة الأولى من التعرض لزيادة الحموضة.
ومع ذلك فعندما خضعت الحيوانات نفسها للتقييم بعد أسبوع واحد، عادت قيم “معدل الأيض الروتيني” (RMR) إلى طبيعتها، وبقيت القراءات في معدلاتها الطبيعية بعد 5 أسابيع أيضا، مع ملاحظة أن قدرة العينات المختبرة على العمل في مستويات منخفضة من الأكسجين قد تأثرت نتيجة زيادة الحموضة.
ومن ثمّ نرى أن الدراسات السابقة قد تمحورت بشكل رئيس حول تقييم مدى ضعف نمو الأنواع المصابة مثل سرطان البحر الناسك، أو انخفاض معدلات البقاء على قيد الحياة لأنواع معينة من الأسماك مع مرور الوقت.
إلا أن أيا منها لم يناقش قدرة الحيوانات البحرية على التكيف مع حموضة البحار ولا سيما عندما يتعلق الأمر بالأخطبوط ورأسيات الأرجل الأخرى. كما أنها أظهرت نتائج متضاربة خاصة في ما يتعلق بسلوك الكائنات البحرية عند التعرض لوقت قصير للملوثات مقارنة مع استجابتها عند تعرضها وقتا أطول لما يسمى بمعدل زيادة حموضة المحيطات.
لهذا يمكن القول إن هذه الدراسة تقدم أول بحث مقارن لدراسة آثار زيادة معدلات الحموضة على المدى البعيد والقريب. ويرى الباحثون أنه لا بد من إجراء مزيد من الأبحاث لتوضيح الآلية التي تقود عملية التغيير في معدلات الأيض الروتيني.