كَانَ لِي قَدَرٌ فِي الضَّادِ يَرفَعُنِي – شعر يحيى الشيخ

0
329

لا تَغْضَبِي إِنْ أَتَاكِ الشِّعرُ مَخْبُولاَ
قَد بِتُّ لَيْلِي بِحُضْنِ الضَّادِ مَعلُولاَ
أَبْكِي القُرُونَ اللَّوَاتِي كُنْتُهَا زَمَنًا
مُحَصَّنًا كَرَعِيلِ الأَعصُرِ الأُولَى
يَهُزُّنِي الشَّوْقُ هَزَّ المُتْعَبِينَ وَلِي
فِي الحُبِّ بَيْتٌ بَنَاهُ اللهُ مَشمُولاَ
بِالضَّادِ أَزْهُو وَلَفْظُ الضَّادِ نارُ فَمِي
بِالأَرضِ تَعصِفُ لا تَخْشَى الأَسَاطِيلاَ
أَقُولُ شِعرًا، عَزَائِي الشِّعرُ يَا لُغَتِي
مُذْ كُنْتِ حَرثِي وَكَانَ الشِّعرُ مَحصُولاَ!
كَقَيْسِ لَيْلَى تَمَنَّيْتُ الهوَى وَكَفَى،
أَلْقَاكِ ثُمَّ أَعِيشُ الدَّهْرَ مَذْهُولاَ
لَوْ كُنْتُ قَيْس، وَلَيْلَى كُنْتِ لِي نَغَماً
ـــــ لَكُنْتُ قُلْتُ كَلاَما فِيكِ مَعقُولاَ
مَا قَيْسُ فِي التِّيهِ لَمَّا يَنْتَهِي عَدَما
فِي حُبِّ لَيْلَى يَقُولُ الشِّعرَ مَنْحُولاَ
لَنْ أَلْقَ فِي الحُبِّ حَظًّا أَنْتِ مَعْدِنُهُ
مَا لَمْ يَكُنْ فِيكِ فَصلُ الْقَوْلِ مَنْخُولاَ
تَغْشَى القَصَائِدُ صَدرِي، نُحتُ مِنْ وَلَهٍ
لَمَّا عَشِقْتُكِ شَبَّ الصَّدرُ مَسْلُولاَ
عُودِي لَنَا لُغَةَ الضَّادِ القَتِيلَةِ كَيْ
لا يَنْتَهِي زَمَنُ الأَعرَابِ مَشْلُولاَ!
تَفْنَى اللُّغَاتُ وَتَبْقَى بَعضُ أَحرُفِهَا
وَأَنْتِ تَرقَيْنَ فِي العَلْيَاءِ قِنْدِيلاَ
عِقْدًا عَلَى الجِيدِ لا عِقْدٌ يُضَارِعُهُ
وهَالَةَ العِزِّ فَوقَ الرَّأْسِ إِكْلِيلاَ
يَا أَنْتِ يَا لُغَةَ الضَّادِ الْجَمِيلِ وَلِي
سحرُ الْهَوَى فِيكِ لَمَّا بِتِّ تَنْزِيلاَ
يُتْلَى بِكِ الْآيُ تَجْوِيدًا وَحَرفُكِ إِذْ
يُتْلَى يَكُونُ لِوَقْعِ النُّطقِ تَجْمِيلاَ
فَيَستَوِي الذِّكْرُ رَسمًا فِي جَلاَلَتِهِ
بِرِيشَةِ السِرِّ مَروِيًّا وَمَنْقُولاَ
قَدَاسَةٌ أَنْتِ، هَلْ فِي الْأَرضِ مِنْ لُغَةٍ
تَقْوَى عَلَى حَمْلِ آيِ اللَّهِ مَرسُولاَ؟
يَا رَبِّ شَرَّفْتَ بِالْقُرآنِ أُمَّتَنَا
وَالضَّادَ وَالْمُصطَفَى وَاخْتَرتَ جِبْرِيلاَ!
لَوْ شِئْتَ كُنْتَ وَضَعتَ السِرَّ فِي لُغَةٍ
لا ضَادَ فِيهَا وَظَلَّ الضَّادُ مَجْهُولاَ
أَوْ دَكَّ كَعبَتَنَا أَفْيَالُ أَبْرَهَةٍ
وَلَمْ تُوَكِّلْ بِهَا الطَّيْرَ الْأَبَابِيلاَ
لَكِنْ رَفَعتَ عَلَى هَامِ الدُّنَى عَرَبًا
مِنْ قَبْلِ وَحيِكَ قَد كَانُوا مَجَاهِيلاَ
حَمْدًا لَكَ اللهُ كَمْ بَارَكْتَ فِي لُغَةٍ
كَمْ هَالَنِي الْيَوْمَ مَا فِي شَأْنِهَا قِيلاَ!
أَلَمْ يُكَذِّبْ بِنَاءُ النَّحوِ مُدَّعِيًّا
يَرَى الْبِنَاءَ إِلَى الْمَجْهُولِ تَعطِيلاَ؟
أَمَّا الْمَجَازُ فَهَذي الضَّادُ تَعرِفُهُ
والْاِشْتِقَاقُ، وَزِدْ بالصَّرفِ تَحوِيلاَ
وَذِي الْقَصَائِدُ، حَدِّثْ هَلْ تَرَى لُغَةً
تُعطِي كَمَا الضَّادُ لِلتَّمْثِيلِ تَفْصِيلاَ؟
وَالضَّادُ، واللهِ لَوْلاَ الضَّادُ مِنْ قِدَمٍ
لَمْ يَعرِفِ الْكَوْنُ لِلْإِدرَاكِ تَحصِيلاَ!
لَوْ شِئْتُ عَدَّدتُ مَا قَد كَانَ مِنْ شَرَفٍ
فَخْرًا لَهَا قَبْلُ فِي الْأَزْمَانِ مَا نِيلاَ
كَانَتْ لَنَا لُغَةٌ وَالْيَوْمَ نَلْعَنُهَا
وَالْغَادِرُونَ بِهَا قَالُوا أَبَاطِيلاَ
قَالُوا بِهَا قِدَمٌ وَالْعِلْمُ يَنْكُرُهَا
وَنَحْوُهَا عِنْدَهُمْ قَد ضَلَّ تَأْوِيلاَ
وَأَنَّهَا لُغَةٌ لَنْ تَلْقَ حَامِلَهَا
إِلاَّ ذَلِيلاً بَأَرضِ الذُلِّ مَذْلُولاَ
وَنَاطِقُو الضَّادِ لا لَفْظٌ يُؤَلِفُهُمْ
غَرثَى وَجَمْعُهُمُ قَد صَارِ مَفْلُولاَ
فِي فِتْنَةٍ لَمْ يَزَالُوا مُذْ حُسَيْنُ قَضَى
بِكَربَلاءَ بِسَيْفِ الْغَدرِ مَقْتُولاَ
وَالْيَوْمَ لَيْسَ لَهُمْ دِينٌ يُوَحِّدُهُمْ
وَرَبُّهُمْ بَاتَ فَوْقَ النَّعشِ مَحمُولاَ
ضَغَائِنُ الشَّرقِ، قُلْتُ الشَّرقُ أَحدَثَهَا
لَمَّا طَغَى الشَّرقُ صَارَ الشَرُّ تَمْثِيلاَ!
فَمَا تَرَى رَجُلاً فِي الشَّرقِ ذَا ثِقَةٍ
كَمِثْلِ هَارُونَ والْمَأْمُونِ مَسؤُولاَ
صِرنَا شَتَاتًا وَضَاعَتْ بَيْنَنَا لُغَةٌ
فِي مَوْعِدِ الْفَيْضِ أَطعَمْنَا بِهَا النِّيلاَ
يَبِيتُ يَلْعَنُهَا الْأَكْرَادُ إِنْ نَطَقُوا
نَسَوْا صَلاَحَ وَزَادُوا الْأَمْرَ تَهْوِيلاَ
أَمّا الْأَمَازِيغُ إِنْ أَفْتَى مُحَدّثُهُمْ
يُحَمِّلُ اللهَ دُونَ الْخَلْقِ تَحمِيلاَ
وَمَنْ هُمُ بِلُغَاتِ الْغَربِ قَد فُتِنُوا
يَرَوْنَ فِي الضَّادِ بُهْتَانًا وَتَجْهِيلاَ
كَأَنَّمَا الْأَلِفُ الْمَمْدُودُ مِنْقَرُهَا
عَصًا بِهَا نُطعِمُ الصِّبْيَانَ تَضْلِيلاَ!
تَرَاهُمُ كَتَبُوا «أَنْـتِي» مُزَوَّقَةً
بِالْيَاءِ كِيمَا يَزِيدُ الْخَطُّ تَجْمِيلاَ
وَمِنْهُمُ مَنْ يَرَى الْقُرآنَ مُنْتَحَلاً
يَتْلُوهُ فِي الْعِيدِ تَوْرَاةً وَإِنْجِيلاَ
وَمَنْ إِذَا أَنْجَبَتْ زَوْجٌ لَهُ وَلَدًا
سَمَّاهُ دَانْدِي وَسَمَّى بِنْتَهُ اسْتِيلاَّ
فَإِنْ ضَحِكْنَا منِ اسْمِ الْبِنْتِ قَالَ لَنَا
سَهْوًا نَطَقْتُ، فَبِنْتِي اِسْمُهَا سِيلاَّ!
دَانْدِي أَخُوهَا، لِأَنَّ الْاُمَّ تُؤْثِرُهُ
كَنَّتْهُ دَانْدِي وَإِلاَّ كَانَ كُودزِيلاَّ!
وَبِنْتُ بِنْتِي أُسَمِّيهَا، وَذَا شَرَفٌ
لِكُلِّ حَابِلَةٍ فِينَا أَنَابِيلاَ
يَا أُمَّةَ الْاِغْتِرَابِ الْغَربُ دَوَّخَكُمْ
سَيَكْبُرُ الْغَربُ فِي أَحشَائِكُمْ غُولاَ!
وَيَرقُصُ اللَّغْوُ فِي أَرحَامِكُمْ طَرَبًا
فَيُولَدُ الطِّفْل مِثْلَ اللَّحنِ مَهْزُولاَ
وَتَلْفَظُ الْأَرضُ إِنْ مِتُّمْ عُفُونَتَكُمْ
تَرجُو بَدِيلاً لِمَنْ لَمْ يَبْغِ تَبْدِيلاَ
لا تَنْدُبِي يَا ابْنَتِي حَظِّي فَلِي لُغَةٌ
حَتْمًا سَتَبْقَى وَيَبْقَى الْحَبْلُ مَوْصُولاَ
قَد كَانَ لِي قَدَرٌ فِي الضَّادِ يَرفَعُنِي
وَالْيَوْمَ لِي قَدَرٌ قَد كَانَ مَعمُولاَ
هَيَّا احفَظِي شِعرَ أَجْدَادِي وَلا تَدَعِي
بَيْتًا يَفُوتُكِ وَاسْتَقْصِي التَّفَاصِيلاَ!
وَإِنْ قَرَأْتِ لِكَعبٍ بَعضَ بُردَتِهِ
قُولِي لَهُمْ أَبَتِي قَد شَبَّ مَتْبُولاَ!
قَد كَانَ فِي لُغَةِ الضّادِ الَّتِي أَفَلَتْ
بَيْتٌ لَهُ فَهَوَى، فَانْهَدَّ مَعزُولاَ
وَبَشِّرِي بِمَجِيءِ الضَّادِ إِنَّ لَهَا
نُطقًا يَظَلُّ كَشَهْدِ النَّحلِ مَعسُولاَ
هَذا الَّذِي يَا ابْنَتِي قَد كانَ مُذْ زَمَنٍ
وَلَمْ يَكُنْ أَبَدًا مِنْ قَبْلُ مَأْمُولاَ
لَوْ كُنْت حَامي عِرضِ الْعُربِ كُلِّهِمُو
لَكَانَ عِرضُ بِلادِ الْعُربِ مَغْسُولاَ
لَكِنَّ عِرضَ بِلادِ الْعُربِ مُنْفَلِتٌ
كَالضَّادِ مُنْكَسِرٌ إِذْ لا يَدٌ طُولَى
إِنِّي انْتَهَيْتُ وَلَكِنْ ما انْتَهَيْتُ هُنَا
فَلْتَحبُلِي وَلِدِي ضَادِي الَّذِي اغْتِيلاَ!
وَقَبِّلِيهِ فَإِنَّ الْعَطفَ فِي قُبَلٍ
حَرَّى تَجِيءُ فَيَغْدُو الْكَوْنُ تَقْبِيلاَ
وَإِنْ رُزِقْتِ بِثَان حَصِّنِيهِ فَفِي
أَرحَامِ نِسْوَتِنَا قَابِيلُ هَابِيلاَ!
لَئِنْ يَمُتْ خَفَقَانُ الضَّادِ فِي بَلَدِي
فِي الغَربِ أَبْعَثُهُ أَوْ غَربَ مَانِيلاَّ
وَلَنْ أَكُونَ كَما الْأَعرَابُ إِذْ حَرَقُوا
نَفْطَ الْعُرُوبَةِ فِي حَانَاتِ مَاربِيلاَّ
إِنَّ الْعُرُوبَةَ تَجْرِي فِي دَمِي وَلَكَمْ
كُنَّا بِهَا فَاعِلاً وَالْيَوْمَ مَفْعُولاَ!
كُنَّا قَدِيمًا، حُمَاةُ الشَرِّ نُفْزِعُهُمْ
وَالْيَوْمَ فِينَا يَزِيدُ الشَرُّ تَقْتِيلاَ
كَادُوا وَكِدنَا وَكَيْدُ اللهُ يُفْحِمُنَا
وَمَنْ أَشَدُّ مِنَ الرَّحمَانِ تَنْكِيلاَ؟
إِنَّ الْعُرُوبَةَ مَا تَفْنَى وَفِي دَمِنَا
تَظَلُّ دَالاًّ عَلَى الدُّنْيَا وَمَدلُولاَ
سَأَرسُمُ الضَّادَ فِي أَرضِي وَفِي زَمَنِي
حَتَّى يَصِيرَ بَهَاءُ الضَّادِ مَقْبُولاَ
وَأَشْكُلُ الضَّادَ مَرفُوعًا عَلَى شَفَتِي
وَلا أُرِيدُ بِغَيْرِ الرَّفْعِ تَشْكِيلاَ
اُنْصُبْ وَجُرَّ فَفِي الْحَالَيْنِ مُنْكَسِرٌ،
فَارفَع جَبِنَكَ ضَادًا فِيكَ مَشْكُولاَ
عَسَى العُرُوبَةُ تَرقَى أَنْتَ فِي دَمِهَا
تَكُونُ حُضْنًا لَهَا لِلضَمِّ مَحلُولاَ!
إِنْ لَمْ تُكَابِر وَهَذِي الْأَرضُ قَد غَدَرَتْ
تَظَلُّ دَهْرَكَ بَيْنَ النَّاسِ مَكْبُولاَ!

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here