على مدى السنوات العشر الماضية، أصبحت الصين طرفا رئيسيا في الاستثمارات الأجنبية المباشرة، وهي استثمارات تهدف إلى إنشاء شركة فرعية في الخارج أو تطويرها أو الحفاظ عليها، أو الحصول على حصة مهمة أو حتى السيطرة على شركة أجنبية.
وفي مقال نشرته صحيفة لوموند (lemonde) الفرنسية، تقول الباحثة ني جاو إن الاستثمارات الصينية في الخارج، التي أحبطها الوباء والتوترات الدولية، يمكن أن تنتشر في بلدان أقرب إلى الصين.
وبحلول نهاية عام 2019، استثمرت أكثر من 27 ألفا و500 شركة صينية في 188 دولة، وتعد آسيا وأوروبا وأميركا اللاتينية الوجهات الرئيسية لهذه الاستثمارات، وشكلت قطاعات مثل التمويل والصناعة التحويلية وتجارة الجملة والتجزئة والخدمات الموجهة للشركات أكثر من 70% من جميع هذه الاستثمارات، بالإضافة إلى إنشاء 44 ألف شركة في الخارج.
ويمثل البحث عن الموارد والأسواق وزيادة الإنتاجية الدوافع الرئيسية الثلاثة لاختيار البلدان المتقدمة استثماراتها الأجنبية المباشرة في البلدان النامية، وتتمتع الشركات الغربية عموما بمزايا احتكارية أو محددة تسمح لها بالحفاظ على قدرتها التنافسية في السوق الدولية. من ناحية أخرى، لا تتمتع أغلب الشركات في البلدان الناشئة مثل الصين بمثل هذه المزايا حين ترغب في الازدهار بالخارج. ولتحقيق ذلك، تستخدم وسيلة التوسع الدولي للوصول إلى الموارد.
وعلى وجه الخصوص، تسعى هذه الشركات إلى ترقية التكنولوجيا الخاصة بها من خلال عملية التدويل، حيث تُبعث نسبة كبيرة من الاستثمارات الأجنبية المباشرة الصينية في أوروبا الغربية وأميركا الشمالية تحقيقا لهذه الغاية، كما تهدف على المدى الطويل إلى تحسين الكفاءات.
وتعتبر عمليات الاندماج طريقة الشركات الصينية لدخول الأسواق، ويتيح لها ذلك الوصول بسرعة إلى السوق المحلية وتوسيع حصتها في السوق على الصعيد الدولي، مع استخدام العديد من الموارد المتوفرة في الشركة المستهدفة، مثل شبكات المبيعات أو براءات الاختراع أو التقنيات أو حتى العلامات التجارية.
نظام اقتصادي جديد
ويمثل البحث عن أسواق جديدة دافعا مهما للشركات الصينية، وقد اعتمدت إستراتيجية القرب، من خلال اختيار المديرين المحليين في البلدان ذات الثقافات المختلفة، من أجل التكيف مع احتياجات المستهلكين. وعام 2019، وظفت الشركات الصينية أكثر من 2.266 مليون موظف غير صيني على الصعيد الدولي، وهو ما يمثل 60.5% من إجمالي عدد موظفي الشركات الصينية دوليا.
لكن الوباء زعزع الاقتصاد العالمي، وازدادت الشكوك حول الاستثمار الأجنبي المباشر، وتتعقد الأمور أكثر خاصة بالنسبة للشركات الصينية التي لا تملك الكثير من الخبرة الدولية للعمل في وضع غير مستقر يؤثر سلبا على اقتصادات البلدان المضيفة.
في الولايات المتحدة، انخفض الاستثمار الأجنبي المباشر الصيني بسبب التوترات التجارية والوباء، وعاشت شركات التكنولوجيا وتكنولوجيا المعلومات مثل “هواوي” (HUAWEI) و”تيك توك” (TikTok) تجارب صعبة في هذه السوق. ومع التغيير الحاصل في البيت الأبيض بالولايات المتحدة، وحتى إذا بدا تدهور العلاقات بشكل أكبر أمرًا مستبعدا الوقت الحالي، فلن يتم رفع العقوبات التي فرضها دونالد ترامب على الصين في المستقبل القريب. فخلال حملته الانتخابية، أشار جو بايدن إلى أنه يعتبر الصين المنافس التكنولوجي الرئيسي للولايات المتحدة.
ومع ذلك، فإن الوباء سيعيد تشكيل نظام اقتصادي دولي جديد من خلال زيادة تعزيز أقلمة الاقتصاد العالمي، وقد يفتح هذا آفاقًا جديدة أمام الشركات الصينية في البلدان المجاورة. وبعد 3 عقود من النمو، باتت درجة التبعية الصناعية والتكامل بين البلدان الآسيوية عالية بالفعل، واستمرت الأسواق الآسيوية وطبقتها المتوسطة في النمو.
مجال استثمار جذاب
أدى ذلك إلى تكوين مجال استثمار جذاب للشركات الصينية، وخاصة الصغرى منها، وقد تكون تكلفة المعاملات بالخارج مرتفعة في بعض الأحيان عندما يتم جمع المعلومات بمواقع بعيدة جغرافيا وثقافيا. من ناحية أخرى، يمكّن الاستثمار في الدول المجاورة -حيث يتمتع المستهلكون بثقافة وسلوك متشابهين- من تجنب بعض الصعوبات والتكاليف، ويسهل في الوقت نفسه إجراءات وإدارة الشركات.
على المستوى السياسي، تنص أكبر اتفاقية تجارية متعددة الأطراف في العالم، وهي الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة الموقعة في 15 نوفمبر/تشرين الثاني 2020 بين 15 دولة بمنطقة آسيا والمحيط الهادي، على إزالة العديد من الحواجز الجمركية، وستؤدي هذه الاتفاقية إلى تغيير جذري في التعاون بين هذه البلدان وتعزيز تكاملها الاقتصادي.
بالنسبة للشركات الصينية، يعد تحسين المهارات التكنولوجية والخبرات الدولية مفاتيح مهمة لمواجهة عدم الاستقرار والتحديات التي يفرضها تطورها. في الوقت نفسه، يمكن أن يساعدها حسن فهم الحقوق والقواعد التنظيمية والبيئات في البلدان المضيفة على المضي قدما في عملياتها الدولية.
وتلعب الشركات الصينية حاليا دورا رئيسيا في الاقتصاد العالمي، وستستمر في ذلك، شريطة أن تلبي أيضا متطلبات الاتصال والشفافية التي تظهر على الساحة الدولية بشكل متزايد.