ينمّ قرار الأغلبية في مجلس النواب الأمريكي بتوجيه الاتهام إلى الرئيس دونالد ترمب عن عدة مفارقات سياسية داخل الولايات المتحدة، وأخرى لغوية ومفاهيمية بالنسبة للرأي العام العربي، مما يجعلها لحظة مفيدة في الدراسات الدستورية المقارنة. فقد نجحت رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي في الكشف عن أن ترمب، بمحاولته التأثير على الرئيس الأوكراني فلوديمير زيلنسكي أو ما يعرف ب”فضيحة أوكرانيا”، انتهك الدستور الأمريكي الذي يفقد الثقة في أي رئيس “قام بأعمال الخيانة أو الرشوى أو أي جرائم أو جنح كبرى أخرى”. وجاء التصويت بأغلبية 229 نائبا ديمقراطيا وآخر مستقلا مقابل معارضة 195 وهو مجموع النواب الجمهوريين في المجلس. يقول فرانك بومان أستاذ القانون الدستوري “إننا من خلال توجيه الاتهام إلى ترامب لخيانته للقيم الأمريكية، نؤكد لبعضنا البعض التزامنا بديمقراطية ناشئة”.
بيد أّن أغلب وسائل الإعلام العربية لم تتريث في ترجمة فحوى impeachment، وتسرّعت باستخدام مرادفات من قبيل “عزل”، أو “إقالة” أو “محاكمة” وغيرها، ولا يتجاوز مفهوم معنى impeachment توجيه الاتهام أو إقامة الدعوى أو بدء الإجراءات لسحب الثقة.
وينبغي أيضا التوضيح أن قرار مجلس النواب ليست الخطوة الوحيدة أو النهائية بقدر ما يتعين أن تقدم رئيسة مجلس النواب رسالة إلى رئيس مجلس الشيوخ السناتور ميتش مكّانول للتحضير لجلسة توجيه الاتهام في مجلس الشيوخ، وهو أمر لا تريد بيلوسي التسرّع فيه بل تفضل تأجيله إلى فبراير أو مارس 2020.
ثمة مفارقة أخرى بين البعد القانوني والأخلاقي الذي يتمسك به الديمقراطيون والبعد السياسي الذي يعتدّ به الجمهوريون في كلا مجلسي النواب والشيوخ. ويميل السناتور مكّانول إلى قبول الإجراءات القانونية بحكم الدستور بقبول قرار مجلس النواب، لكنه يظل مصمما على عرقلة أن تصل جلسة المحاكمة حدّ عزل الرئيس ترمب. ومما يساعده في ذلك حاجة الأعضاء الديمقراطيين في مجلس الشيوخ والبالغ عددهم 45 ليس لتأييد العضوين المستقلين فحسب، بل وأيضا لتأييد عشرين من الأعضاء الجمهوريين، وهو أمر من قبيل المستحيلات السياسية في واشنطن بسبب خشية الجمهوريين من أمرين شائكين: تعريض مصلحة الحزب لخسارة انتخابات 2020، واحتمال التعرّض لانتقام الرئيس ترمب منهم في عام الحملات الانتخابية.
قد تصل المعركة في مجلس الشيوخ في العام المقبل إلى محاكمة علنية أمام الرأي العام الأمريكي، ولن تصل بالضرورة إلى قرار مجلس الشيوخ بعزل ترمب من منصبه في البيت الأبيض.