كلمات في توارد الخواطر والأفكار
****************
بعض الناس إذا قلتَ شعراً أو كتبتَ نثراً، يقول : هذا الشعر يُشبه شعر فلان، أو هذا التعبير يحاكي تعبير فلان، ويتّهمك بانتحال وسرقة أدبية، وغيرها من الكلمات التي تثبّط عزائم الكتّاب والشعراء بل تخنق أعناق هممهم، ولكن دعني أقول بكلّ صراحة، أنّ هذه الانتقادات الجارحة السلبيّة نسمعها ممّن نراهم من المتأخّرين المتخلّفين المغفّلين المعطّلين في كلّ مِشوار الحياة، وأيضاً لو علم هذا المنتقد الطائش أنه من سبيل توارد الخواطر والأفكار، وله أمثلة كثيرة حتى عند الشعراء الكبار، لما جرح مشاعر الآخرين بخناجر الانتقادات والاعتراضات.
إليكم بعض الأمثلة في توارد الخواطر :
قال امرؤ القيس صاحب المعلقة الأولى :
وقوفاً بها صحبي عليّ مطيّهم
يقولون لا تهلك أسىً وتجمّلِ
وقال طرفة بن العبد صاحب المعلقة الثانية:
وقوفاً بها صحبي عليّ مطيّهم
يقولون لا تهلك أسىً وتجلّدِ
وكذا إليكم مثال آخر في شعر رُوي بأربع طُرق مختلفة:
قال الأول :
إذا أنت لم تعشق ولم تدرِ ما الهوى
فما لك في طيب الحياة نصيبُ
وقال الثاني :
إذا أنت لم تعشق ولم تدرِ ما الهوى
فأنت وعِيرٌ في الفلاة سواءُ
وقال الثالث :
إذا أنت لم تعشق ولم تدرِ ما الهوى
فكن حجرًا من يابس الصخر جلمدَا
وقال الرابع :
إذا أنت لم تعشق ولم تدرِ ما الهوى
فقم فاعتلف تبنا فأنت حمارُ
فرأيت -أيها القارئ- أنّ بين هذه الأبيات الشعرية خُطىً يسيرة، وتبيّن لك أيضاً أنّه من سبيل توارد الخواطر والأفكار وليس انتحالا.
وقد حدث معي قبل أيام أمرٌ أثار ذهولي ودهشتي وهو أني بدأتُ نسج القصيدة في مديح خير الأنام عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام فأنشدتُ فيها قائلاً :
بذكرِ محمّدٍ تحيا القلوبُ
وتُغتفر المآثمُ والذنوبُ
وبعد قرض الشعر بحثتُ عن كلماتي في الدواوين الشعرية -وهي شيمتي بعد قرض كل شعر خوفاً من أن يتّهمني أحد بانتحال الشعر- فوجدتُ نفس الكلمات في قصيدة الإمام البوصيري رحمه الله حيث ينشد قائلاً :
بمدح المصطفى تحيا القلوبُ
وتُغتفر الخطايا والذنوبُ
وأقسم بالله أني لم أقرأ قصيدته قبل إنشاد شعري، ولم يكن لي إلمام بها، ولكن ما هو إلا من سبيل توارد الخواطر والأفكار.
فأرجوك يا أخي الحبيب كن مشجّعاً ولا مثبّطاً، وكن بلسماً ولا أرقماً، وحلاوةً ولا علقماً.