قراءة في مسرحية “بيت ليس لنا” لعمر كتمتو __ ذ. هناء عبيد

0
216

 

” قراءة في مسرحية “بيت ليس لنا” “:

   المسرحية للأديب الدبلوماسي وسفير النرويج السابق عمر صبري كتمتو، وهي مهداة إلى روح الشهيد غسان كنفاني، صديق الأديب عمر كتمتو،
تقع المسرحية في ٦١ صفحة
وجاءت في أربعة فصول.

موضوع المسرحية يتحدث عن مجموعة من الأشخاص يدخلون في مصعد، فيتعطل بهم، ومن خلال تواجدهم في المصعد نتعرف على كل شخصية من خلال حوارها مع الآخرين.
يبدأ الصراع بعد أن تقع جريمة قتل لضابط بوليس سابق(فراس صمدي) ويتم اتهام الكاتب والناقد الأدبي اليمني الجنسية (سامر) بجريمة القتل.

المسرحية تنقلنا إلى مسرح الحياة الواقعي الذي نعيشه، وشخصيات المسرحية هم نحن باختلاف أدوارنا، وكل حدث فيها يمثل أحداث واقعنا الأليم الذي نعيشه بكل حذافيره.

تتطرق فكرة المسرحية إلى العديد من القضايا المهمة التي تحيط مجتمعنا العربي برمزية ذكية، فكل عبارة وكل قصة تفصح عن قضية ما.

فقضية الطبقية التي تعاني منها مجتمعاتنا، نلمسها من خلال خالد (الجرسون) الذي يوبخه الجميع لأنه استخدم مصعد الطبقة الأعلى منه، بل وإن أحدهم لم يعتبره إنسانًا، فخالد برأي الغالبية، كان عليه أن يأخذ مصعد الطبقة العاملة وأن لا يتطاول على أسياده.

يظهر لنا من خلال الحوارات؛ الإشارة إلى أن الفئة المثقفة هي الفئة الأكثر إنسانية، وأنها الشريحة التي يمكن أن تنقذ المجتمعات من آفاته المنبوذة، لكن للأسف، ربما طبيعة الحياة غيرت مسار هذا المنحى، ففي واقعنا لم يعد للطبقة المثقفة دورها الكبير في رفعة المجتمع، إذ لا يخفى على الجميع مدى دور بعض الأقلام في قلب الحقائق ونشر السموم بين المجتمعات، حتى على المستوى الأدبي الذي يعتبر جزءًا من الحركة الثقافية، والذي يعنى بالناحية الإنسانية والإصلاح المجتمعي، فإننا نلاحظ بأن الأقلام الأدبية لم تعد تمثل الطبقة الإنسانية، فقد أغرتها الماديات، وتوجهت إلى إيثار المصالح الخاصة، بل وتحول بعضها إلى أبواق نشاز همها تمجيد الأنظمة المستبدة، وبدلًا من الاهتمام بالإصلاح أصبح هاجس الأدباء الأول هو نيل المراكز الرفيعة والجوائز الثمينة، وإثبات الذات، وكما دومًا فإنه من الظلم التعميم، فهناك أقلام نزيهة تحمل هم هذه الأمة المغلوب على أمرها بكل صدق وتفان.

محاولة فصل السياسة عن الأدب، من القضايا المهمة التي تناولتها المسرحية، فسامر مثلًا يحاول قدر الإمكان التخصص في الأدب بعيدًا عن الخوض في السياسة، وأن يختار بين الحياد والمواجهة، لكن للأسف، القضية شائكة ولا يمكن تحقيقها، فالسياسة لا يمكن أن تنفصل عن أي جزء من الحياة بما فيها الأدب، فنحن حينما نتحدث عن الإنسان وقضاياه المهمة، نكون قد خضنا في السياسة دون قصد، فالشهيد الذي نبكيه في أقلامنا الأدبية ونتعاطف مع ذويه ما هو إلا ضحية سياسة جائرة، والطفل الجائع ما هو إلا ضحية جشع سياسي فاسد، والفقر المتعمق جذوره ما هو إلا نتاج ساسة يسرقون ثروات الوطن، والمرض المستفحل ما هو إلا نتاج منظومة صحية فاسدة، والجريمة المنتشرة ما هي إلا خلل في جسد المجتمع خلفته سياسة غير حكيمة؛ الأدب يدخل في عمق الإنسانية لكنه يرتطم بالسياسة البشعة، رغم أن السياسة بحد ذاتها علم زاخر عميق من عمق الوجود، فهي علم يقوم على تبادل المصالح من أجل منفعة الوطن والمواطن، لكن للأسف شاءت الأقدار أن تتحول هذه المصالح من مصالح تحمي الشعوب إلى مصالح شخصية، فزرع في أدمغتنا أن السياسة لا يلتقي معها إلا كل مرادفات الفساد والتخريب والقتل والدمار والدماء.

كما تتحدث المسرحية عن واقعنا المؤلم الذي يفتقد إلى الأمن والأمان، فالمواطن لا يمكن أن يعيش بالأمن والأمان في أي وطن إلا إذا كان منتميًا إلى الحزب المساند للنظام، فمن ينتمي إلى الحزب المعارض تحل عليه اللعنة، وقد تلفق له التهم ومصيره إما السجن المؤبد أو الموت، ومن يريد أن يصل إلى مركز مرموق لا بد أن يكون متملقًا حتى يصل إلى مكانة ليس له من المؤهلات فيها سوى المعرفة الشخصية للحزب الحاكم أو التملق والتصفيق له، ولهذا لم ولن تصل هذه الأوطان إلى الرفعة والازدهار يومًا، فالرجل المناسب لم يكن يومًا في المكان المناسب.

وكأنني أقرأ في هذه المسرحية عن أدب السجون، لتأخذني الذاكرة إلى رواية شرق المتوسط لعبد الرحمن منيف ورواية يسمعون حسيسها لأيمن العتوم التي تتحدث عن الظلم والعذاب الذي يواجهه السجين السياسي في سجون الأنظمة الجائرة.

هل المسجون من هو أسير جدران مبنى السجن؟ تأتي المسرحية لتذكرنا بأننا جميعنا نقبع في سجن رغم كل محاولات الأنظمة بإقناعنا أننا نعيش الديمقراطية والحرية، وكأن الحقيقة يمكن أن يغطيها الغربال، فنحن نعيش القمع ونعيش في سجن أبدي، وربما هذا هو حال العالم بأسره الذي أصبح فيه المواطن موسومًا كما القطيع، حتى التلفونات التي أصبحت رفيقنا الدائم، ما هي إلا سجن، وجاسوس ولعنة، كذلك الحال مع وسائل التواصل الاجتماعية، وعلى رأسها الفيس بوك الذي تعتمده بعض الشركات وكأنه من ضمن السيرة الذاتية للمتقدمين إلى العمل، وأين هذه الحرية والديموقراطية إذا كان نصف الشعب مسجونًا ونصفه الآخر “بوليس”؟!
وأين هذه الحرية والديمقراطية في جو مشحون بالكراهية وعدم الثقة، بعد أن صنعوا من الشعوب جواسيسًا على بعضها البعض وأفقدته الثقة بما كان يسمى “إنسان”؟!
وأين هذه الحرية والديموقراطية وقد حكمت أوطاننا أنظمة فرضت نفسها بقوة فوهة المدفع، ووجهت رصاص جنودها نحو صدور المواطن بدلًا من حمايته ومواجهة العدو؟١

وتأتي المحكمة، مكان العدالة، لتتربع في صدر جدرانها صورة الرئيس وصور حاشيته، وربما كانت هذه إشارة من الأديب لتذكيرنا أننا نحن من نصنع الأصنام لنعبدها.

والسؤال الذي يطرح نفسه لماذا اختير سامر ليكون كبش الفداء، ولتلفق له جريمة وهمية؟! هل لأنه فلسطيني؟ هل لأنه ذاق مرارة قتل والديه أمام عينيه في مذبحة دير ياسين (التي أشار إليها الأديب في لفتة ذكية لتكون وثيقة تتناقلها الأجيال فيما بعد)؟!

المسرحية كتبت باللغة العربية الفصحى، لغة السهل الممتنع، تخللتها حوارات خارجية، أعطت الفكرة عن شخصية وفلسفة قائلها، موضوع المسرحية زخر بالأحداث والوقائع الدسمة التي يعاني منها وطننا العربي، بل والعالم بأجمعه.
اجتمعت فيها كل عناصر المسرحية المتكاملة، حيث، الفكرة، الموضوع، الشخصيات، الحوار، الحبكة، الصراع.
مسرحية “بيت ليس لنا”، عمل مسرحي قيم يضاف إلى رصيد المسرح العربي ليزيده ثراءًا.

 

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here