قراءة في كتاب “ذاكرة مستعادة عبر أصوات ومنظورات” لأحمد اليبوري __ د. عبد الجبار العلمي

0
195

 

   لم أحظ بقراءة كتاب ” ذاكرة مستعادة عبر أصوات ومنظورات ” لأستاذنا الفاضل أحمد اليبوري إلا مؤخراً بعد اقتنائه من معرض الكتاب الأخير. والكتاب يتألف من تقديم شديد التركيز والإيجاز والدقة، كدأب الأستاذ أحمد اليبوري في كتاباته ودراساته، وأربعة فصول، هي كالتالي:

ـ الفصل 1 : .ـ محكي ذاتي، ويشتمل على مذكرات منذ 1953 إلى 2013 ، وسيرة ذاتية يرصد فيها المؤلف مراحل حياته المختلفة منذ دراسته بالمسيد ومدرسة النهضة بسلا ومدارس محمد الخامس، فثانوية مولاي يوسف وليسي كورو، ثم بعد ذلك بكلية الآداب بالرباط إلى اجتيازه مباراة الأساتذة المساعدين، كما يرصد فيها مرحلة عمله في الصحافة في جريدتي العلم والتحرير وانخراطه بعد ذلك في الصحافة الثقافية في مجلات : آفاق والوحدة والمناهل التي عرفت في عهد توليه الإشراف عليها تميزاً وازدهاراً وغنى سواء على مستوى الملفات التي تعدها أو الكتاب الذين ينشرون بها. ومن بين أهم المراحل التي يتناولها في هذا الفصل، مرحلة رئاسته ” اتحاد كتاب المغرب ” بين 1983 و1989 التي تشبث فيها باستقلالية هذه الجمعية الثقافية العتيدة عن الدولة، بل وعن أي مؤسسة حزبية أياً كانت. وقد أضاف الكاتب إلى فصل المحكي الذاتي حوارات حول الجامعة المغربية، واتحاد كتاب المغرب مع لحسن وريغ عن جريدة “الأحداث المغربية ” سنة 2000 ، و محمد بهجاجي سنة 2010 ، وبديعة الراضي سنة 2012 عن الاتحاد الاشتراكي. ويختم المؤلف بذكر بعض المواقف التي وقفها ضد الاستبداد سواء في مناظرة التعليم بإفران أو ببغداد أو بيروت أو الجزائر ، تلك المواقف التي لا يعتبرها بطولة إطلاقاً ، بل إنها ” تصف ( الوضعية الحدية ) في الوجود ، عندما يصبح الإنسان أمام أختيار : أن أكون أو لا أكون .. ”

ـ الفصل 2 : ـ صوت المؤسسة في المؤتمرات والندوات والمناظرات ، ويحتوي على مجموعة من المداخلات الهامة التي ألقاها الأستاذ أحمد اليبوري لدى مساهمته في أنشطة ثقافية خارج الوطن أو خلال مؤتمرات ومناظرات تم انعقادها وطنيا ( المؤتمر العاشر 1989 لاتحاد كتاب المغرب ـ المناظرة الوطنية حول الثقافة بتارودانت 1986، وندوة المختار السوسي 1986 .. ) ، وقد اقتضت مسؤوليته باعتباره رئيساً لاتحاد كتاب المغرب في تلك المرحلة الحافلة ، تقديم مداخلات وتحديد مواقف واضحة في كل هذه التظاهرات الثقافية ، ويلخصها لنا الكاتب فيما يلي : ” الدعوة لأصالة حقيقية ، وهوية متنورة، وعقلانية خلاقة ، والدفاع عن الحرية والديموقراطية والعدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان . ”

ـ الفصل  3 : ـ عرفان وتقدير : يخصص المؤلف هذا الفصل للحديث عن أربعة أعلام بكثير من التبجيل والوفاء والعرفان يقول : ” كان لعبد الرحيم بوعبيد وأبي بكر القادري وأمجد الطرابلسي ومحمد عزيز الحبابي ، تأثير عميق على سلوكي ووطنيتي وتكويني الفكري والأخلاقي، بحيث لا يمكن أن أكتب سطراً عن حياتي ، دون أن أذكرهم بتقدير ، وإشادة بالأدوار التي اضطلعوا بها ، كل في ميدانه ، في التعليم والسياسة ، وإذكاء الوعي الوطني والقومي باقتناع وتفانِ .” ، وليس هذا الموقف الإنساني السامي بغريب عن أستاذنا سي أحمد ، فقد عرفناه دائماً ـ زملاءه ورفاقه وطلبته ـ مثال الوفاء والإخلاص والنبل ، وصاحب المواقف الصلبة والمنحازة للحق ، سواء في كلية آداب ظهر المهراز بفاس أو بكلية آداب الرباط.

الفصل 4 : في مرآة الآخر : ( الأستاذ اليبوري في مرآة زملائه وأصدقائه وطلبته )
وسأكتفي هنا بذكر بعض الكلمات والعبارات الرقيقة الصادقة التي قيلت في حقه بمناسبة تكريمه أو غيرها كما يلي :
ـ أمجد الطرابلسي : ” لطالما قدرت فيك ، ومنذ أيام فاس، الوفاء للمبدأ ، وللحق وللصداقة ، يدعمه العلم والصراحة والجرأة ، وصلابة الخلق. ”
ـ محمود درويش عن منظمة التحرير الفلسطينية ” فتح ”
الأخ / رئيس اتحاد كتاب المغرب الموقر
تحية الثورة والعودة ، وبعد
” … أحيي الموقف النضالي الرائع الذي وقفه وفدكم في مؤتمر اتحادالكتاب العرب ببغداد، والذي دافعتم فيه عن مبادئكم وقناعتكم ، بأن القضية الفلسطينية هي القضية المركزية للأمة العربية ، ومحور عمل حركة التحرر العربي…”
محمد مفتاح : تحدث في يوم دراسي تكريمي عن كتاب “دينامية النص الروائي” ، وفي معرض حديثه عن دوافع تأليف هذا الكتاب يقول : ” لعل أهم الحوافز ، هو أن الأستاذ اليبوري كان مدفوعاً بدوافع وطنية صادقة ، لإبراز الهوية الإبداعية المغربية في مجال معين وهو السرد. ولا غرابة في هذا السلوك ، إذ إن الرجل نتاج الرعيل الأول من الوطنيين الذين جاهدوا حق الجهاد في سبيل تحرير المغرب ومنحه هويته وخصوصيته ، مثل الأساتذة عبدالله كنون ، وعلال الفاسي والمختار السوسي، والمهدي بنبركة وعبدالله إبراهيم.. ”
إبراهيم السولامي : يقول في عرض ألقاه بمناسبة تكريم صديقه بعنوان ” هوامش حول التجربة النقدية للأستاذ أحمد اليبوري” :
” لقد كان الأستاذ اليبوري مؤسساً للدرس الأدبي الحديث في الجامعة المغربية ، لذلك كان مثل جميع الرواد ، يمهد الطريق الصعب في شمم ونكران ذات ” وفي كلمة عن نقد الأستاذ اليبوري ، يقول الأستاذ إبراهيم السولامي في عرضه : ” إنني سأربط نقد الأستاذ اليبوري بمظاهر أربعة هي : الشجاعة ، والوطنية ، والاهتمام بالراهن ، والحس الأخلاقي. ”

يلي هذه الكلمات الدافئة المفعمة بالمحبة والتقدير والإشادة الصادقة بخصاله ومواقفه النبيلة ، شهادات للعديد من تلاميذه وطلبته : سعيد يقطين ـ نجاة المريني ـ عبدالجليل ناظم ـ محمد صبري ( رحمه الله ) ـ أحمد زيادي ـ حسن نجمي ـ إبراهيم المزدالي ـ حسن البحراوي ـ أنور المرتجي ـ عبدالرحيم العلام ـ شعيب حليفي .
إن هذا الكتاب ليس سيرة ذاتية بالمعنى الحصري كما يقول صاحبها ، تكتفي بضمير المتكلم أو ضميري المخاطب والغائب ، بل إنها نتاج مجموعة من الأصوات والضمائر اشتركت في صياغتها ، وكأنني بأستاذنا المعروف بتواضعه الجم ونكران الذات ونبذ تمجيدها والابتعاد عن بريق الشهرة الزائفة ، استنكف عن احتكار الحديث عن سيرته ، وترك زمام سرد أفضاله وخصاله وشمائله لأصوات وضمائر أخرى. إنها ـ كما يصرح صاحبها بتعبير الدقيق : “ذاكرة مستعادة، عبر أصوات ومنظورات متشابكة في إطار ميثاق أجناسي تكاملي بين السيرة والسيرة الذاتية والحوارات الواردة في سياقها”.

_________________

2016/03/17

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here