نص الومضة: “أغرقه النعاس؛ انتشله الشوق“.
في كثير من الومضات التي أقرأها تكون العبارة الأولى كأنما هي مقدمة والعبارة الثانية نتيجة منطقية لها، لكن هذه الومضة الجميل فيها أننا لا نجد أي رابط بين عبارتيها أو بالأحرى شقيها إلا عنوانها، تلك المفردة التي يحمل معناها مضمون يجمع بين العبارتين، ولولا العنوان هذا لما تمكنا من الربط بينهما لشدة تناقضهما وتباين دلالتيهما. العنوان وحده يجعل الذهن يستنتج الرابط الخفي، ألا وهو المعاناة الشديدة. فالإنسان مهما كانت حالته الجسدية أو النفسية سيهده التعب فتنتابه رغبة بالنوم ويستشعر النعاس، والنعاس في حالة الأرق يأتي على شكل موجات تشده بما يشبه الدوار إلى عمق سحيق وكأنه يغرق بالفعل، إلا الذي يعاني من ألم ما وهنا المعاناة معاناة الشوق للحبيب تمتد كما الأيادي لتنتشل العاشق من نعاسه هذا وتحرمه لحظة راحة. صورة فنية في غاية الغنى والجمال. وإبداع القاص هنا يتجلى في اختيار تلك الألفاظ. فالغرق يقابل الانتشال، ولكن الرائع هنا أنه لا يأتي بمعنى النجاة أبدا، بل يأتي بمعنى زيادة المعاناة، فهنا توظيف إبداعي للمعاني، والنعاس غياب عن الوعي والشوق للحبيب غياب عن الوعي أيضا، الأول مدعاة إلى الراحة والثاني من أسباب المعاناة. الومضة دلالة واقعية لما يفعله العشق فينا. بهذه الألفاظ الغنية والتوظيف الذي يدل على ذكاء العقل والعاطفة، وعلى أصالة في مشاعر الكاتب وقدرة في التعبير عن عمق النفس البشرية بكل الصدق تبدى إبداع القاص.