قراءة في رواية “سبعون يوما وراء الشمس” للشاعر والأديب أحمد حضراوي/ الجزء 5 ــ ذ. نصر سيوب

0
22

4 ــ الشخصيات :
ــ الراوي (الشخصية الرئيسية) : شاب في العشرين، طالب حقوق، شاعر، يتمتع بوعي سياسي واجتماعي، متسرع في اتخاذ القرارات المصيرية، لا يحسب عواقب أفعاله. ينتمي لعائلة ضاغطة (والده يصر على دراسته للحقوق رغم ميوله الأدبية)، يعيش صراعاً بين براءته وواقعه كضحية للاعتقال غير المبرر. يتمتع بحسٍّ إنساني ورفض للعنف، مع تركيز الكاتب على جانبه النفسي (الخوف، التحدي، الذكريات المؤلمة). يؤمن بالعدالة، ويرفض التعصب الإيديولوجي، ويتمسك بالكرامة الإنسانية حتى في السجن، ينتقل من شخصية محايدة إلى مقاوم للظلم بعد الاعتقال. يمثل صوت الضمير الإنساني في وسط الفوضى رافضا الانكسار، ويرمز إلى الصراع بين الفرد والأنظمة القمعية (سواء سياسية أو اجتماعية).

ــ الطالب الإسلامي (الضحية) : شاب نحيف ذو شعيرات خفيفة على وجهه، يمتلك إيماناً قويّاً، لكنه ضعيف البنية أمام عنف القاعديين. يتميز بالثبات على المبدإ الديني، والصبر على الاضطهاد. يجسد الضعف الإنساني أمام القوة العمياء، ويرمز للصراع بين الخطاب الديني والعلماني.

ــ الطلبة القاعديون (اليساريون المتطرفون) : جماعة عنيفة، تستخدم القمع لمنع أي صوت معارض، تُظهر تناقضاً بين ادعاء النضال وممارسة الاستبداد. تتميز بالهيمنة الفكرية، وإسكات المعارضة بالقوة.

ــ صديق الراوي (م.م) : طالب طموح يسعى للزعامة النقابية، لكنه فاشل في تحقيق تأثير ملموس. يتميز بالطموح الفردي، والرغبة في الاعتراف الاجتماعي. يرمز لفشل النضال الطلابي عندما يتحول إلى مسرح للمصالح الشخصية.

ــ الشرطي الطيب (والد زميل الراوي) : أب قلق، يرمز للسلطة “الطيبة” الممزقة بين واجباتها الوظيفية ومخاوفها الأبوية. يعكس ازدواجية مؤسسات الدولة بين القمع والرحمة.

ــ عبد الحكيم. ح وأخوه حسن. ح : طالبان من نفس مدينة الراوي (بركان)، يتميزان بالتضامن العائلي (عبد الحكيم يترك مخبأه ليلحق بأخيه المُعتقل). يعيشان هامشية مزدوجة (اجتماعيّاً وسياسيّاً). يتميزان بالتضحية الأسرية، والشجاعة النسبية.

ــ سالم : طالب قوي البنية، غير ماهر في التخفي (يسبب ضجيجاً أثناء الهروب). يمثل الغريزة البدائية للبقاء، والغضب العشوائي. يُحتمل أن يكون من خلفية فقيرة (قوته الجسدية كسلاح في مواجهة العنف).

ــ الشرطة والمحققون : شخصيات مجهولة الهوية، تُمثل آلة قمعية مجردة (يُشار إليهم بـ”الزبانية”، “حماة الوطن”). تمثل القسوة المُمنهجة، والتمتع بالسلطة المطلقة. وهي أداة الدولة لقمع أي صوت معارض، وتجسيد للدولة البوليسية التي تتحول إلى “وحش” يلتهم أبناءها.

ــ الشرطي المسن ذو اللحية البيضاء :
شخصية هادئة تتناقض مع وحشية المحيط. يُظهر تعاطفاً خفيّاً (رفع الأذان، الصلاة). يُمثِّل بصيص الإنسانية الوحيد في هذا الجحيم، حيث تتعارض قيمه الدينية (إقامة الصلاة، احترام المصحف) مع وحشية النظام، ليكون رمزاً للرحمة المغيبة. يرمز للخير والرحمة في نظام فاسد، يُظهر أن القمع لا يمحو الإنسانية تماماً.

ــ الضباط والجلاوزة : شخصيات سادية، تُمارس التعذيب الجسدي والنفسي (مثل الضابط البدين الذي يمنع حتى الدعاء). تتمتع بالسلطة المطلقة، وتجسّد قيم السلطة القمعية؛ فهم يُظهرون سادية ممنهجة عبر التعذيب، والتحقير اللفظي، وتفنُّنهم في إذلال المعتقلين، مما يكشف عن تشظٍّ أخلاقي في بنية الدولة. وهم تجسيد لآلة الدولة القمعية التي تسحق الفرد لتحافظ على هيمنتها.

ــ المحققان (الخيّر والشرير) : يلعبان أدواراً متكاملةً في مسرحية التحقيق، حيث يدمج الأول خداعَ الود مع التلذذ بالإيذاء، بينما يمارس الثاني تعنيفاً صريحاً، مما يُظهر آليةً مزدوجةً في كسر الضحايا، فيُمارسان أسلوب “التعذيب النفسي” عبر التلاعب (واحد يتظاهر باللين والآخر بالقسوة).

ــ الأستاذ الخمسيني (المامون) : مثقف/مُعلّم، شخصية مُسِنّة تحاول تهدئة الآخرين بسرد تفاصيل التعذيب التي تعرَّض لها زملاؤهم.
يستخدم التضامن في مواجهة القهر، والحكي كوسيلة للمقاومة النفسية. يمثل ذاكرة الجماعة المُعذَّبة وحلقة الوصل بين المعتقلين.

ــ العميل المُقنَّع (المتعاون مع الشرطة) : طالب سابق/مُندس، يرمز إلى الاختراق الأمني للجامعات. وشخصية غامضة تُستخدم للتعرف على “المتطرفين”، تخلق إرباكاً حول هويات المعتقلين. يمثل الخيانة كخيار للنجاة الفردية، وتفكيك الثقة بين الضحايا. يجسد آلية “فرّق تَسُد” التي تعتمدها الأنظمة القمعية.

ــ الوكيل العام للملك : سلطوي متجهم، يستخدم التهديد والاستهزاء. يجلس خلف مكتب فاخر كرمز للسلطة المطلقة. يحول القانون إلى أداة قمع، ويجسد فساد النظام القضائي.

ــ الشرطي البشوش : شرطي يُظهر تعاطفاً نادراً، يخفف قيود الأصفاد. يمثل التناقض بين الواجب الوظيفي والإنسانية، ويرمز للخير المكبوت داخل المؤسسة القمعية.

ــ أم الراوي : امرأة مسنة تذرف الدموع وتدعو لابنها. تجسد الحب الأمومي، والإيمان بالقدر. رمز للوطن المُعتَّق الذي يُعاني أبناؤه تحت نير النظام.

ــ المعتقلون الإسلاميون : طلبة يرفعون شعارات دينية ويتحدون ضد السلطة. يمثلون الإيمان بالقضية، والتضامن الجماعي، والمقاومة المنظمة ضد النظام.

ــ حراس السجن : شخصيات بلا ملامح واضحة، تُجسّد القسوة المُمنهجة. يتحركون كآلات تنفيذ، من تفتيش جسدي مهين إلى إهانة لفظية. يحولون السجن إلى مسرح للسلطة، حيث يُمارس الإذلال كفنٍ يومي. ويمثلون الوجه الخفي للدولة، الذي يتحول من “حامي القانون” إلى “منتهكه”.

ــ أحمد أقشّاح (السجين الصامت) : سجين هادئ يُظهر صلابة روحية، يُلمح إلى خلفية درويشية أو صوفية. ابتسامته المحتسبة تُشكل تناقضاً مع قسوة المحيط. يمثل الصبر كأداة مقاومة، والإيمان بالقدر كسلاح نفسي. يجسد الروح المقاومة التي ترفض الانكسار حتى في الظلام.

ــ صاحب السجن (أحمد) : شخص صامت بشكل لافت، يبدو مطمئنّاً بشكل غير طبيعي. يُلمح إلى أنه يعاني من صدمة عميقة جعلته ينغلق على ذاته. يتبنى الاستسلام كآلية دفاع، ربما بسبب خبرة سابقة في القمع. يُحتمل أن يكون من نفس خلفية الراوي (طالب معتقل)، لكن انطوائيته تجعله خارج التراتبية الاجتماعية للسجن. صمته يشير إلى اضطراب ما بعد الصدمة، أو محاولة لحماية نفسه من الواقع عبر العزلة.

ــ الطالبان المعتقلان (جمال. ع وآخر) : طالبان سابقان اكتسبا خبرة في التعامل مع بيئة السجن. أحدهما (جمال. ع) يحاول التوسط بحكمة، بينما الآخر أكثر اندفاعاً في الدفاع عن حقوق السجناء الجدد. يؤمنان بالتضامن بين السجناء السياسيين، ويرفضان الظلم. يحاولان الحفاظ على بقايا إنسانية داخل النظام القمعي. يجسدان صراع المثقف مع واقع القمع، ومحاولة التوفيق بين المبادئ والبقاء.

ــ عمر (مسؤول الزنزانة) : سجين ذو هيبة، يتحكم في الزنزانة بقواعد غير مكتوبة. تظهر عليه إنسانية نسبية (كترتيب الاستحمام للراوي)، لكنه جزء من النظام القمعي الداخلي. يتبنى قيم “الفتوة” (الهيمنة عبر القوة)، لكنه يحتفظ ببقايا أخلاقية مرتبطة بأخيه (القدوة المثقفة). يمثل السلطة الموازية داخل السجن، حيث تُدار الأمور عبر التراتبية القائمة على الأقدمية والقوة. رمز للسلطة المزدوجة (السجين/الجلاد)، والتناقض بين الإجرام والإنسانية.

ــ زركيط (السجين القديم) : سجين محترف، قضى سبعة عشر عاماً بتهمة القتل. يتمتع بجسد مفتول العضلات وهيبة تُفرض عبر الخوف. يؤمن بالعنف كوسيلة للبقاء، ويرى في السجن “غابة” تَسُودها شريعة القوة. يمثل قاع الهرم الاجتماعي للسجن (سجناء الحق العام)، لكنه يصعد عبر فرض الهيمنة. يجسد “الوحشية المُؤسَّسة” داخل النظام القمعي، حيث يُنتِج السجن شخصيات تكرس عنفه.

ــ الحارس يحيى : حارس قاسٍ، يتحكم في أبسط تفاصيل حياة السجناء (كالاستحمام والنقل بين الزنازين). يُمثل قمع النظام الرسمي، حيث يُطبَّق القانون بلا مراعاة للكرامة الإنسانية.

ــ القُصّر المُستغَلون : ضحايا يُستغلون جنسيّاً أو في تجارة المخدرات، وهم أدنى مرتبة في السجن، يُستخدمون كأدوات. يمثلون فقدان البراءة تحت وطأة الجبروت. رمز لاستغلال الضعفاء وتفشي الفساد المؤسسي.

ــ الشيخ الجابري : أستاذ مسن صارم، متمسك باللباس الشرعي، يمتلك معرفة دينية عميقة، قيادي في الجماعة، يحظى باحترام السجناء. يمثل التمسك بالتقاليد، والصرامة مع المرونة. رمز للسلطة الدينية والتقاليد المتصلبة.

ــ سجناء الحق العام : مجموعة من السجناء المهمشين، غارقون في المخدرات والانحطاط، أدنى طبقة في الهرم الاجتماعي للسجن. يمثلون اللامبالاة، اليأس، الاستسلام للواقع. رمز لانهيار القيم في ظل القمع.

ــ المحكومون (مثل محمد الكَبوس) : سجناء من خلفيات متنوعة (طلبة، عمال)، يواجهون أحكاماً متفاوتة. يمثلون الصمود، والتفاؤل رغم القسوة. رمز لظلم النظام وتنوع ضحاياه.

ــ الأسرة (الوالدان والأخوات) : تنتمي لطبقة متوسطة، تعكس معاناة الأسر المغربية تحت القمع. مصدر الدعم العاطفي للراوي، يعانون من القهر بسبب اعتقاله. يمثلون التضامن العائلي، والحب غير المشروط. رمز للأمل والقوة في مواجهة الظلم.

ــ الطبيب / الممرض : شخصية ساخرة ترمز للإهمال الطبي داخل السجن، جزء من نظام فاسد لا يُقدر حياة السجناء. يجسد اللامبالاة والإهمال، ويرمز لانهيار الخدمات الأساسية في المؤسسات القمعية.

ــ السجين الجديد المعتقل حديثا : طالب قُبض عليه بعد محاولة هروب يعكس الخوف واليأس. يمثل اليأس والاستسلام للواقع، ويرمز لدورة الظلم التي لا تنتهي.

ــ المحكومون (20 سنة) : طلبة حُكِم عليهم بعقوبات قاسية (20 سنة) بتهم ملفقة. ضحايا النظام القضائي الفاسد. يمثلون قسوة النظام السياسي وتهميش المعارضة. رمز الصمود والتحدي رغم الظلم.

ــ عمر : عامل بسيط خارج السجن يبلغ الراوي خبر تبرئته، يُظهر تعاطفاً نادراً. يمثل التعاطف والإنسانية في ظل القمع، ويرمز للأمل والصلاح في عالم فاسد.

ــ القاضي : شخصية تظهر في مشهد السيارة التي كادت تصدم العجوز، جزء من النخبة الحاكمة الفاسدة، يرمز لفساد النظام القضائي، والانتهازية واللامبالا، ولانعدام العدالة وتواطؤ المؤسسات. كما أنه يعكس اللامبالاة الاجتماعية تجاه معاناة الآخرين باعتباره السائق المتهور، فيمثل الأنانية وانعدام المسؤولية، ودلالة على تفشي الفردية في المجتمع.

ــ العجوز المُنقَذة : شخصية من العامة. رمز للبراءة والأمل.

5 ــ الزمان والمكان :
١ ـ الزمان : تُغطي الأحداث بداية الرواية أوائل التسعينيات (1991)، مع استرجاعات إلى مرحلة الدراسة الجامعية والهجرة إلى بلجيكا.
يُحيل إلى سياق تاريخي حقيقي (أحداث جامعة وجدة 1991) التي شهدت صراعا دمويا بين الطلبة الإسلاميين والقاعديين (اليساريين)، مما يعكس توترات مرحلة انتقالية في المغرب بين صعود التيارات الإسلامية وتراجع اليسار الراديكالي.
ثم باقي الرواية تُغطي الأحداث “سبعين يوماً” من الاعتقال والتعذيب في السجن، وهي المدة التي تشكل الإطار الزمني الأساسي للرواية.
تسير الأحداث ببطء مُتعمَّد لتعكس ثقل الوقت داخل السجن، حيث يُصبح كل يومٍ معاناةً لا نهائية.

٢ ــ المكان : تتعدد الفضاءات المكانية في الرواية من مغلقة إلى مفتوحة :
ــ مفتوحة : الشوارع المحيطة بالجامعة (حي القدس، حي زنقوط) وهي مساحات تتحول إلى ساحات مواجهة مفتوحة. ثم الطريق بين وجدة وبركان وهي رمز للهروب المؤقت من الصراع، لكنه يعكس استحالة الفصل بين الذات والسياق الاجتماعي.
وهذه الفضاءات المفتوحة تُظهر امتداد العنف الطلابي إلى الفضاء العام (تحول الصراع من أكاديمي إلى مجتمعي).
ــ مغلقة : الجامعة وأسوارها؛ تُوصف كـ”سجن” محاط بأسوار مرصعة بالزجاج، وكر للقاعديين تُصبح ساحةً للعنف الطائفي بين الفصائل. تدل على فشل المؤسسات التعليمية في تحقيق الحرية الفعلية.
ثم بيوت الطلبة (بيت الناظور، دار القنت، دار السفانجي) وهي فضاءات محصنة تتحول إلى ساحات حرب.
تعكس هذه الفضاءات الاختناق الإيديولوجي (الصراع محصور داخل جدران الجامعة). وترمز إلى عجز الفرد عن الهروب من الصراعات السياسية (مثل محاولة الراوي تسلق السور والفشل).
ثم فضاء السجن وهو عبارة عن زنازين ضيقة، جدران إسمنتية، قضبان حديدية، وروائح عفنة. يدل على القمع الجسدي والنفسي، ويُجسِّد انعدام الحرية وتفكيك الإنسانية. وهو مرآة لنظام سياسي قمعي يكمّم الأفكار.
ــ الفضاءات المغلقة المفتوحة : المقهى حيث يسترجع الراوي ذكرياته، وهو فضاء هجين بين العزلة المؤقتة وضجيج الواقع. ثم السيارة (في طريق العودة إلى بركان): فضاء انتقالي يعكس الصراع بين العائلة (الماضي) والجامعة (المستقبل).

6 – اللغة :
تتميز الرواية بلغة عربية فصحى أساسية، مع إدخال بعض التعابير العامية في الحوارات، خاصة بين السجناء، أو في وصف التفاصيل اليومية، مثال: (الزبالة البشرية ـ الحرامي ـ الكروا) مما يُضفي واقعيةً ويقرب الشخصيات من القارئ المحلي. كما تستخدم الرواية استعارات قوية، كتشبيه السجن بجحيم لا يُطاق لتعميق الإحساس بالعذاب. أو القضبان ككائنات حية مفترسة (القضبان حية تلتهم الحرية) لتعميق الإحساس بالمعاناة. وكذا التكرار في عبارات مثل (لم أعد أحس ـ الظلام يبتلعني) لتأكيد الإحساس باليأس.
كما استخدم الكاتب التناص الديني والأدبي من خلال الإشارة إلى قصة النبي يوسف في السجن (رحاب يوسف قد أتيتك زائراً) لربط المعاناة بالصبر الإيماني. بالإضافة إلى اقتباسات من الشعر الصوفي (بفضلك مولانا جُد علينا) لتأكيد البعد الروحي. بينما يُستخدم الوصف الحسي : للروائح -الشم- (رائحة العفن تُخنق الأنفاس)، والأصوات -السمع- (صراخ الشرطة يثقب الأذن كسكين)، والبصر (الجدران الرمادية المتشققة كوجوه الموتى)، واللمس (برودة القضبان تُحرق الأصابع)؛ لجعل القارئ يعيش التجربة ويشعر بها.
واستخدم الكاتب جملا طويلة ومعقدة في وصف المشاعر الداخلية أو الاسترجاعات “الفلاش باك”، لتعكس الارتباك النفسي، مثل (لم أكن أدري إن كان ما أطلق عليه يومها اسم أسبوع الطالب الجديد يتم بطقوسه العنيفة تلك أم أنه كان استثناءً لتلك السنة). كما استخدم جملا قصيرة وحادة في مشاهد العنف أو الذروة لخلق إيقاع سريع (صفعة ـ ركلة ـ دماء).
كما استخدم الحوارات الداخلية لكشف صراعات البطل النفسية بين المقاومة والعجز (هل أنا مجرم لأنني رفضت الظلم؟)، بينما تعكس الحوارات الخارجية تناقضات السلطة (أنت في بلدك المغرب فلا تستغرب!)
فاللغة في الرواية ليست مجرد أداة سرد فحسب، بل سلاحٌ لفضح القمع وبناء عالمٍ يعكس تناقضات الواقع المغربي. الجمع بين الفصحى والعامية، والوصف الحسي، والرمزية يجعل النصّ غنيّاً بطبقاتٍ من المعاني، ويُحوِّل التجربة الشخصية للبطل إلى قضية إنسانية شاملة.

7 ــ أساليب الحكي :
١ ــ السرد : استخدم الكاتب في الرواية عدة تقنيات سردية وحكائية لتعميق التأثير الدرامي وإبراز القضايا الإنسانية والسياسية، فنجده اعتمد الرؤية من خلف باستخدام ضمير الغائب، حيث تميز هنا بكونه يعرف كل شيء عن شخصيات روايته، بما في ذلك أعماقها النفسية وأحاسيسها، وأفكارها، مخترقا جميع الحواجز، منتقلا في الزمان والمكان دون صعوبة. كما اعتمد “الرؤية مع” باستخدام ضمير المتكلم باعتبار الرواية سيرة ذاتية، فهو هنا يتساوى في المعرفة مع الشخصية البطلة ويتطابق معها، مما يخلق إحساساً بالحميمية مع القارئ، ويجعله شاهداً مباشراً على الألم والظلم. كما اعتمد “الرؤية من خارج” عندما يصف ما يرى ويسمع، دون أن يتجاوز ذلك لما هو أبعد، كالحديث عن وعي الشخصيات وأفكارها والتعليق على بعض الأحداث فهو سارد محايد.
هذا بالنسبة لطرائق السرد، أما أشكاله فقد اعتمد الكاتب على السرد المتسلسل، بحيث سرد الأحداث بحسب الزمن الذي وقعت فيه، كما اعتمد على تقنية السرد المتقطع، بحيث سرد الأحداث بناءً على التتابع المنطقي لها، من خلال الاعتماد على تقنيتي الوصف والاسترجاع “الفلاش باك”.

٢ ــ الوصف : اعتمد الكاتب على وصفٍ تفصيلي غنيٍّ بالصور الحسية والرمزية، بهدف نقل تجربة السجن بكل قسوتها وإبراز التناقضات الاجتماعية والسياسية، وأبرز ملامح هذه التقنية : الوصف الحسي (وسبق ذكره في إطار اللغة). والوصف الرمزي، حيث يحوِّل العناصر اليومية إلى رموز تحمل دلالات أعمق (اُنظر “الرمزية”). والوصف النفسي (الداخلي) للكشف عن الحالة العاطفية للشخصية البطلة عبر وصف تفاعلها مع المحيط (كانت يداي ترتجفان كورقة خريفية كلما اقترب الجلاد ــ أحسستُ كأن قلبي يُسحق تحت أحذية الحراس). والوصف الاجتماعي لتسليط الضوء على الفساد واللامساواة (وجوه السجناء المُنهَكة تُشبه وجوه الفلاحين العاملين تحت الشمس، لكن دون أملٍ في الحصاد ــ الشرطي البدين، يبدو كأنه التهم حقوق الفقراء مع عشائه). والوصف المكاني للسجن بتفصيلٍ (زنزانة ضيقة، لا يُرى فيها نور النهار إلا من ثقب بحجم عين الفأر)، ووصف التعذيب بالخراطيم والسجائر يُظهر الوحشية الممنهجة. وللذكريات بتصوير الجامعة وبلجيكا كأماكن مضيافة تُذكر البطل بحريته الضائعة (تلوح لي كلية الآداب من بعيد، كجنّةٍ فقدتُ مفتاحها ــ في أحد مطاعم مدينة كنوك، على الساحل البلجيكي الجميل).

٣ ــ الحوار : اعتمد الكاتب على الحوار كأداة فعَّالة لتقديم الصراعات الداخلية والخارجية، وكشف التناقضات الاجتماعية والسياسية، وسواء الحوار الداخلي (المونولوج) لكشف الصراع النفسي للبطل بين اليأس والإصرار، وتسليط الضوء على تساؤلاته الوجودية (هل أنا مجرم لأنني رفضت الظلم؟ أم أن الجريمة الحقيقية هي الصمت؟ ــ لماذا لا أستطيع أن أكون كالآخرين، أرضخ وأبتلع الإهانة؟)
فالمونولوج هنا يعكس تطور الشخصية من ضحية خائفة إلى مُقاومة واعية بضرورة المواجهة. أو الحوار الخارجي (بين الشخصيات) مثل حوارات السجناء مع الحراس التي تُظهر علاقة القوة والهيمنة، كتهديدات الحراس (إما توقع الاعتراف، أو ستبقى هنا حتى تتعفن!)، أو حوارات السجناء فيما بينهم، التي تكشف التنوع الاجتماعي داخل السجن “مُدانين، طلبة، سياسيين”: (أنت لست منهم (الإسلاميين)، فلماذا تدافع عنهم؟). أو حوارات البطل مع ذكرياته، كحديثه مع صورة أمه أو مع طفولته الضائعة.
فيصبح الحوار هنا ليس مجرد تبادل كلمات، بل أداةً لفك تشفير الواقع، وكسر جدار الصمت المُفروض، وتحويل السجن إلى مسرحٍ للصراع بين القمع والإرادة الإنسانية.

8 ــ الرمزية :
تبرز مجموعة من الرموز في الرواية التي تحمل دلالات عميقة تعكس الصراع الإنساني والسياسي والروحي داخل السجن؛ أبرزها :
ــ السجن : رمز القمع والفساد، يمثل النظام السياسي القمعي، حيث يُجسِّد الفساد المؤسسي (تهريب المخدرات، التحرش الجنسي، تواطؤ الحراس).
ــ الشمس: رمز الحُرية والأمل، تُشير إلى الحُرية المفقودة والأمل في الخلاص، لكنها تظل بعيدة خلف القضبان.
ــ الشِّعر : ليس مجرد هروب من الواقع، بل سلاحٌ لإثبات الذات في عالم يسعى لطمس الهوية، وهو رمز المقاومة الثقافية، يُجسِّد مَلاذا روحيا للراوي من الواقع القاسي، وأداةً لتحدي القمع، وتحويل المعاناة إلى فن.
ــ الدخان : رمز التلوث الأخلاقي، دخان الحشيش والقدور المتعفنة يُشير إلى الفساد والانحطاط الأخلاقي داخل السجن وإلى اختناق الأمل، وهو ليس هروبا من الواقع فحسب، بل دليل على تحوّل السجن إلى سوق مفتوح للمخدرات تحت سمع الإدارة.
ــ الساعة : تتحول من أداة قياس الوقت إلى رمزٍ للمقاومة الصامتة، حيث يُصرّ البطل على ارتدائها علناً رغم منعها، كتحدّ لسلطة السجان.
ــ القيد: رمز العبودية، فالأصفاد الحديدية ترمز إلى فقدان الحُرية والسيطرة النفسية على السجين.
ــ حي دان : رمز للاستسلام النهائي، حيث “يَدين” السجين لنظامٍ لا يرحم.
ــ الأبواب الحديدية : تعكس انعدام الأمل في الخلاص، وتحوُّل السجن إلى قفصٍ دائم.
ــ القمل: الذي يتحول من مجرد حشرة صغيرة إلى شخصية سردية تسخر من ضياع الكرامة، ف(القملة تسرق الخبز) و(تغطي أطفالها بورق الحشيش)، في نكاتٍ سوداء تعكس انهيار الإنسانية. فهو رمز الإذلال، يُجسِّد التفكك الجسدي والمعنوي للسجين، وتحويله إلى كائن منبوذ.
ــ العدس الممزوج بالحصى : رمز الخداع وانعدام الإنسانية.
ــ القمر والنجوم : رمز الروحانية، ترمز إلى الأمل الخفي والتطلُّع إلى عالمٍ أوسع خلف جدران السجن.
ــ المصحف : رمز المقاومة الروحية، يُجسِّد الصمود الإيماني للإخوان، ورفض الانكسار أمام القمع.
ــ الرخامات : رمز التراتبية الاجتماعية وتجسيد لقانون الغاب داخل السجن، فتقسيم أرضية السجن إلى “رخامات” يرمز إلى الهرمية القاسية بين السجناء (الأقوياء في مقابل الضعفاء) حيث القوة تحدد مساحة الوجود.
ــ الدش : رمز للإذلال الممنهج، فالنظافة هنا ليست حقّاً بل امتيازاً يمنحه السجان.
ــ القُصّر : ضحايا النظام المزدوج (خارج الأسوار وداخلها)، يُستغلون كأدوات في آلة الفساد.
ــ الشيخ الجابري : رمز التصلب الفكري، يُجسِّد السلطة الدينية المتشددة التي ترفض التعددية.
فهذه الرموز تُحَوِّلُ السجن من مكان مادي إلى فضاء رمزي يعكس صراعا وجوديّاً بين القيود والتحرر، وبين الفساد والنقاء. كما تُضفي طابعا شِعريّاً على الرواية، يجعل المعاناة الإنسانية مُرَوَّضةً بجمالية الكلمة.

9 ــ كيف خدم الشِّعر الرواية؟ :
لقد كان للشعر أدوار متعددة في الرواية، سواء على المستوى الفني أو العاطفي أو الرمزي، مما أضاف عمقا لتجربة البطل وساهم في إثراء الرسائل الإنسانية والسياسية للرواية، حيث كان وسيلة البطل للتنفيس عن مشاعره المكبوتة وتوثيق معاناته اليومية في السجن. ففي لحظات اليأس أو التأمل، تحوَّل الشعر إلى “صديق” يُترجم الألم إلى كلمات، مثلما ظهر في قصيدة “رحاب يوسف”، التي عبَّر فيها عن صراعه مع القهر والسجن:
“أرحاب يوسف قد أتيتك زائرا وأتاك قلبي بالتجلد صابراً”.
هنا، يُشبِّه نفسه بالنبي يوسف (الذي سُجن ظلماً)، ليُبرز فكرة الصبر على البلاء والإيمان بالعدل الإلهي رغم ظلم البشر.
كما مثَّل الشعر هروبا نفسيا من الواقع المرير، فكتابة القصائد أو ترديدها كانت بمثابة طقس يومي يُعيد للبطل إحساسه بإنسانيته، خاصةً عندما كان يُشارك زملاءه السجناء أشعاره، مما خلق جسرا من التعاطف بينهم.
كما استُخدم الشعر كرمز للحرية والمقاومة، ففي مشهد كتابة البطل للشعر خلف القضبان، يُصبح القلم رمزا للتحدي، بينما تُصبح الكلمات سلاحا ضد محاولات السجانين كسر إرادته. كما أن قصيدة “رحاب يوسف” نفسها تحمل رمزية دينية وتاريخية تربط بين معاناة البطل وقصص الأنبياء، مما يُضفي بُعدا كونيا على الظلم.
ومن خلال القصائد الشعرية، يتتبع القارئ تحوُّل البطل من طالب حقوق ساذج إلى شخصية أكثر نضجا وفهما لتعقيدات النظام الاجتماعي والسياسي. ففي قصائده، ينتقل من الحديث عن الألم الشخصي إلى تأملات فلسفية حول العدالة والحرية، مثل قوله:
“والسجن مثل القبر ليس تزوره شمس ولا قمر يدور دوائرا”،
وهو ما يعكس تحوُّله من الضحية إلى المفكر الناقد.
كما أن الشعر في الرواية لم يكن مجرد إضافة جمالية، بل ساهم في كسر إيقاع السرد التقليدي، فالقصائد تظهر في لحظات ذروة التوتر أو التأمل، مما يُعطي القارئ مساحة للتنفس والتفكير مع البطل، كما في مشهد كتابته للشعر ليلا بينما السجن يغرق في الظلام : “كتبت عشرات القصائد، وسمعت مئات الهتافات…”.
إذن فالشعر في الرواية لم يكن مجرد زينة أدبية، بل كان دماءً تتدفق في عروق النص، يحمل الألم والجمال معا، فهو أداة للبقاء، وسجلٌّ لتاريخ الظلم، وفعل مقاومة يُذكِّر بأن الكلمة قد تكون أقوى من القضبان.

10 ــ الرسائل :
يرسل الكاتب من خلال روايته “سبعون يوما وراء الشمس” رسائلَ متعددةً تتعمق في قضايا إنسانية واجتماعية وسياسية، تاركا القارئ أمام أسئلةٍ وجوديةٍ حول العدالة والحرية والكرامة، من أبرزها : النقد اللاذع للأنظمة القمعية، بحيث تفضح الرواية فساد الأجهزة الأمنية والقضائية، التي تستخدم التعذيب والاعتقال التعسفي كأدواتٍ للسيطرة، مثل وصف التحقيقات المزورة
ج: (محاضر الاعترافات كانت مليئة بالأكاذيب… كُتبت قبل أن أفتح فمي!)، فالأنظمة القمعية تُحَوِّل القانون إلى غطاءٍ للظلم، وتُجرد الإنسان من أبسط حقوقه.
ثم الصمود الإنساني في وجه القهر؛ فرغم التعذيب الجسدي والنفسي، يرفض البطل الانكسار أو التخلي عن مبادئه، ممثلاً بذلك قوة الروح البشرية، مثال : (قررت ألّا أكون رقما في سجلّ السجان… حريتي تبدأ من داخلي)، فالكرامة الإنسانية لا تُهزم، حتى لو سُجن الجسد.
والتناقض بين الخطاب الرسمي والواقع؛ حيث تُظهر الرواية الفجوة بين شعارات “العدالة” و”الحقوق” التي ترفعها الدولة، وبين ممارساتها القمعية على الأرض، مثل سخرية البطل من عبارة : (أنت في بلدك المغرب!) بينما يُعامَل كغريب في سجنه. فالخطاب الرسمي غالبا ما يكون واجهةً لإخفاء الاضطهاد.
والصراع الإيديولوجي وتأثيره على الأفراد؛ حيث تنتقد الرواية استغلال الصراعات السياسية (الإسلاميين في مقابل اليساريين) لتحويل الشباب إلى وقودٍ في معارك لا تُعبِّر عنهم، مثل حوار البطل مع صديقه “م.م”: (لماذا نُقاتل بعضنا؟ كلانا ضحية!)، فالتطرف الإيديولوجي يُدمر الإنسان، سواء كان دينيّاً أم علمانيّاً.
والقمع كتجربة كونية؛ فالسجن هنا ليس مكانا مغربيا فحسب، بل رمزٌ لكل أشكال القمع في العالم، مثل مقارنة البطل بين سجنه وسجن النبي يوسف (كل السجون تتشابه… الظلم لغة واحدة.)، فالظلم نظام عالمي، والمقاومة واجب إنساني.
ودور الكلمة في المقاومة؛ بحيث أن الكتابة والشعر يصبحان سلاحا لمواجهة النسيان وإثبات الوجود، مثال : (كتبتُ قصيدتي على أوراق التهم الملفقة… كي تبقى كلمة الحق حية)، فالفن والأدب أداتان فعالتان لخلق الوعي وتحريك التغيير.
ومعاناة المهاجرين والغربة : حيث تُبرز الرواية معاناة المغاربة في بلجيكا عبر ذكريات البطل عن عمله كـغاسل أطباق، وصراعه مع العنصرية، مثال : (في بلجيكا، كنتُ غريبا… وفي وطني، أصبحتُ غريبا!)، فالهجرة ليست حلّاً، بل هروبا من قمعٍ إلى قمعٍ آخر.
وأخيرا أسئلة وجودية حول العدالة والإيمان؛ حيث تطرح الرواية تساؤلاتٍ عن دور الإله في الظلم، ومدى قدرة الإنسان على الصمود دون أمل، مثال: (يا رب، إذا كنتَ ترى كل هذا… فلماذا تصمت؟)، فالمعاناة تدفع الإنسان إلى إعادة تعريف إيمانه وأخلاقه وامتحانهما.

ــ خاتمة :
الرواية تعتبر عملا أدبيّا قويّاً يعكس واقع السجون في المغرب، ويقدم صورة مؤثرة عن معاناة الإنسان في مواجهة الظلم. وهي ليست مجرد سردٍ لتجربة اعتقال، بل صرخةٌ ضد كل أشكال القمع، ودعوةٌ إلى التمسك بالكرامة حتى في أحلك الظروف. الكاتب لا يقدم إجاباتٍ جاهزةً، بل يدفع القارئ إلى التفكير : هل يمكن أن نبقى بشرا في عالمٍ يُجردنا من إنسانيتنا؟

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here