قراءة في الدورة 46 من المقهى الأدبي الأوروعربي في بروكسل – مؤمن الوزان

0
675

شهد يومه السبت 06 أبريل 2019 حدثا مهما في مسار الثقافي والفكري المهجري العربي والمغربي في أوروبا، إذ بعد ست وأربعين دورة للمقهى الأدبي الأوروعربي في بروكسل، تم الإعلان عن نهاية مرحلة المقهى الأدبي وبداية عهد جديد بالإعلان عن تأسيس المجلس الأوروعربي للفكر الفلسفي والروحي، فما يحفل به التجمع الأدبي الأوروعربي لم يعد يسعه أن يكون مقهًى فقط، ففيه المحاضرات الفكرية والفلسفية والاجتماعية والتاريخية والأدبية ألقاها ضيوف وأعضاء جُلُّهم من ذوي الدراية والاختصاص، ما بين أستاذ ودكتور وبروفيسور، فكان لزاما على القائمين عليه أن يعلنوا عن هذه الخطوة الهائلة والتي ستترتب عليها التزامات أكبر وضوابط أشد، فلكل مرحلة تبعاتها وشروطها التي تفرضها من أجل تقديم أفضل صورة عربية مهجرية في القارة العجوز، هذه الخطوة التي ستفتح أمامنا آفاقا واسعة وتتبلور عنها أهداف أسمى وأشمل، متوزعة على جميع الجوانب الإنسانية الفكرية والروحية. إن نواة هذا المجلس التي تبلورت في مدة ست سنوات تقريبا في صيرورة وشائجية متجانسة ومتناغمة بعضها مع بعض، ولا يمكن أن نُضفي سمة المثالية على هذه النواة في جميع مراحل تطوراتها، لكن سنين الرحى أنتجت تلك النخبة القادرة على النهوض بالمقهى الأدبي ودفعه إلى الأمام بكل تأنٍ وصبر واجتهاد، ليكون المجلس الأوروعربي للفكر الفلسفي والروحي، ولا يظن ظانٌ بأن هذا المجلس سيكون تغيير واجهة فقط، فالقائمون عليه يسابقون أنفسهم في أن تكون الحلة الجديدة تستحق هذا التغيير بل وتفوقه أيضا، المرحلة القادمة هي المرحلة التي سيكون تأثير المجلس الأوروعربي أبعد مدًى وأنجع تأثيرا وأكثر استقطابا، وهو الذي كانت أبوابه مشرعة للجميع وصدره متسعا لكل الأفكار والتيارات والاتجاهات المعتدلة، من أجل تقديم صورة أجمل وتطبيق واقع أفضل بعيدا عن أي تزييفات أو خداع أو غش؛ كل هذا ما منح القائمين عليه كل الثقة والتشجيع لأجل الوصول إلى هذه المرحلة التي ومن دون شك فاتحة خير ومبشرة لقادم سيشد الأنظار ويلفت الأبصار.
إن الإعلان عن هذا المجلس الأوروعربي للفكر الفلسفي والروحي، لم يكن مجرد إعلان في دورة عادية للمقهى الأدبي -سابقا- بل تزامن مع حضور شخصية فكرية لها صداها الواسع وصوتها الذي أثار الجدل وأسال المداد واستفز الأفكار وهو الأستاذ محمد جبرون، الباحث المغربي في قضايا التاريخ والفكر السياسي الإسلامي، والحاصل على شهادة الدكتوراه في التاريخ، وأستاذ في المركز الجهوي لمهن التربية الإسلامية والتكوين بطنجة، والحاصل على الجائزة العربية للعلوم الاجتماعية والإنسانية في دورتها الأولى (2012)، وعلى جائزة المغرب للكتاب (2016)، وله العديد من الكتب من ضمنها مفهوم الدولة الإسلامية: أزمة الأسس وحتمية الحداثة؛ وآخرها كتابه في هدي القرآن في السياسة والحكم (أطروحة بناء فقه المعاملات السياسية على القيم).
وقد ألقى محاضرته عن العلاقة بين المسلم وغير المسلم، والذي تتبع فيها العلاقة بين المسلم وغير المسلم في القرآن الكريم في مراحل ثلاث تمثلت في مرحلة آيات القرآن المكية وآيات القرآن المدنية؛ حيث امتازت هذه الآيات بسمة التسامح والحوار والخطاب اللين والسلم، والمرحلة الأخيرة بعد أن بدأت مرحلة الصراع الحربي بين المسلمين والكفّار والتي امتازت الآيات بالحث على قتال الكافرين، فمن بين هذه المراحل الثلاث تنبثق لدينا آليات تعامل متباينة وحتى قد يراها بعض أنها متضادة أو متناقضة، فما هي الطريقة المثلى في تقييم هذه العلاقة ورسم خطاها الواضحة، إذ ينتقد فيها الدكتور امحمد جبرون الآراء الفقهية التي اعتبرت آيات التسامح منسوخة بآيات القتال وبنوا عليها أحكاما يتحمل المسلمون حتى اليوم ضريبة هذه الأحكام الفقهية، موضحا رأيه -وأصرَّ على أن ما يقوله هو رأيه الذي يطرحه لا أكثر- بأن الطريقة للخروج من التعارض بين هذه الآيات الداعية إلى التسامح والتعايش السلمي والآيات الحاثة على الصدام والصراع، تتفرع إلى: أن آيات التسامح -المكية الأولى- ناسخة للآيات المتأخرة -آيات الصراع- وهو فرع الذي يُمكن أن يرد عليه بأن الآيات المتأخرة هي الناسخة، مما يؤدي إلى في أفضل الأحوال إلى تكافؤ الأدلة. وهو فرع لا يحل المشكلة، ويضيف أننا بحاجة إلى منهج جديد، والذي يمثله الفرع الآخر والذي يتبناه للخروج بطريقة مثلى في التعامل مع آيات التسامح وآيات القتال؛ وهو ما يميز أصول بين قيمية كلية للإسلام متعالية على الزمان والتطبيقات الظرفية التي تحكمها معطيات الواقع، حيث يقوم تصوره في هذا الفرع على:
-أن أحكام القرآن -آيات الصراع- هي آيات محكومة ومرتبطة بظرفيات معينة وأنها ليست ثوابث تعلو على الزمن، لذا لا يمكن الاحتجاج بها والاستناد إليها في التأسيس لعلاقة بين المسلم وغير المسلم، وأننا:
-إذا أردنا هدي الإسلام وروحه علينا أن نلتمسه في آيات ونصوص أخرى وهي النصوص القيمية المجردة من الظرفيات والزمان، والتي تعكس روح الإسلام وجوهره، التي تؤسس للحريات واختيار المعتقدات. مستدلا بعدها بالآيات التي يراها بأنها توافق رؤيته. لذا فإن الأصل هو التسامح والتعايش مع أصحاب الديانات الأخرى وتعدد الحريات. نختلف أو نتفق فيما طرحه فالأمر فيه سعة، إلا أن ما يجب الاتفاق فيه مع الدكتور امحمد جبرون هو إعادة قراءة آيات القرآن وتدبرها ودراستها، فمسلمو اليوم قد غيّبوا تعلم القرآن ودراسته حتى أضحى كثير منهم لا موقف ثابت له ومن السهل خداعهم، والاستدلال بالآيات من دون الاحتكام إلى ضوابطها وسياقاتها، فيتم توجيهها إلى في غير محلها عن سوء فهم أو غيره مما يؤدي إلى مآزق كثيرة يعيش تبعاتها مسلمو اليوم.
وشهد القسم الثاني من المجلس الأوروعربي للفكر الفلسفي والروحي توقيع ديوان “صمت وطن” للشاعر المغربي يوسف الهواري والذي سبق بتقديم من قبل الشاعر المغربي محمد كنوف، لحقتها وصلة أدبية من قراءات شعرية ونثرية لأعضاء المجلس الأوروعربي وضيوفه.

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here