Home Slider site في ضيافة عبد الله بوصوف 20، من ذكريات معرض الكتاب – أحمد...
كان تصنيفنا في خانة “العياشة” و”المخزنيين” و”العملاء” قد سبقنا إلى بروكسل مقر نشاطنا الأدبي والإبداعي الرئيسي إلى جانب عواصم أوروبية أخرى، كانت العلامة التي أريد لها أن تلتصق بنا بقدرة قادر هي الخيانة، خيانة من وماذا ومع من وأي جهة؟ عياشة لأي جهة ونحن مواقفنا مع الحق أشهر من نار على علم وواضحة من خلال أدبياتنا منذ سنواتنا الأولى في النضال. مخزنيون وعملاء لأننا استجبنا لدعوة مؤسسة مغربية دستورية أصل ميزانيتها من مال دافعي الضرائب المغاربة، وكان إحداثها دستوريا من أجل خدمتنا نحن أصلا كمهاجرين.
لكن لم يكن هذا أسوء وأقذر ما تعرضنا له.
كانت طبخة شق صف المقهى الأدبي الأوروعربي جاهزة، وكان حرمانه من مقره المعتاد جاهزا بأسلوب شيطاني، حيث تم تحييد بعض أفراد المقهى الذين كنا نؤجر بأسمائهم قاعات أنشطتنا بمجرد عودتنا، وسحَب كل من كانوا قد وعدونا بمقرات بديلة وعودهم لنا في فترات متزامنة وبدون إسداء أسباب لذلك، حتى بعض الحضور الذي كان محسوبا على بوصوف من الشعراء والفنانين انقطعوا بين دورة وأخرى عن المشاركة معنا، بل وحاولوا خلق أنشطة مماثلة موازية لنا لكنهم لم يستطيعوا الاستمرار فيها رغم توفرهم على كل اللوجيستيك والغطاء المادي لذلك، وانفتاح أجمل قاعات بروكسل الثقافية وأغلاها في وجه أنشطتهم المنافسة. كان ينقصهم أهم شيء في صناعة مجال ثقافي حقيقي، ألا وهو الكفاءة والتجربة، أما التطبيل والسفسطة و”البلبلة” فهي مقومات متاحة لكل من هب ودب.
لا يمكن أن يؤسس حركة شعرية إلا شاعر أو متذوق له، كما لا يمكن أن يؤسس مسارا فكريا إلا مفكر أو فيلسوف، وكذلك الشأن بالرياضة والفن وغيرها من أنواع الإبداع. لكن أخطر هذه الحركات الإبداعية كلها هي الحركات الثقافية، فمدّعيها ينفضح مع أول نقاش، كما يفضح مستوى الشاعر بأول مطلع قصيدة.
كان اجتماعنا الأول بعد أيام قليلة من عودتنا إلى ديارنا، بسطنا الوضع أمامنا بروية وصبر وحكمة، كان تحدينا الأول هو الاستمرار في أنشطتنا الثقافية التي لا يمكن أن تتوقف بأي شكل من الأشكال، فهي بالنسبة لنا مؤسسة وليست مجرد أنشطة ارتجالية نقوم بها لحب الظهور فقط، ثم تأمين مقرات متعددة لأنشطة المقهى الأدبي حتى لا يرتبط بعنوان واحد، فيصبح نشاطنا رهينا بمزاج من يتفضل علينا به، فيتحول من مجرد مُؤجر لنا إلى شريك في الفعل القافي وهذا ما حرصت على ألا أقع فيه أبدا منذ الدورة الأولى للمقهى الأدبي، سواء كان ذلك الطرف شخصا أو جهة أو مؤسسة.كما فكرنا جديا في اسم بديل لمؤسستنا.
تميز أعضاء المقهى الأدبي ومحبوه ومتابعوه والمهتمون بأنشطته، فقد تبينت معادن منتسبيه مع كل محنة مر بها، انسلخت عنه عيون بوصوف وعيون زوجته -وكنا نعلمهم- وقد كانوا ينقلون إليه من قبل تقاريرنا مباشرة، وكنا نعرفهم فردا فردا غير أننا كنا نتغابى عنهم، بل كنا نستغرب لفعلهم فنحن حركة ثقافية واضحة التكوين والأنشطة ولسنا حركة سرية. ربما كان تاريخ عبد الله بوصوف في العمل الإسلامي السري ما جعله يعتقد أن كل فعل منظم حتى ولو كان ثقافيا هو بالضرورة تنظيم سري، وربما تابعا لتنظيم عالمي مثل تنظيم الإخوان المسلمين.
أما فيما يخصنا نحن أعضاء الرابطة فقد ارتأينا شيئا آخر بعد تفكير عميق. فقد قررنا ألا نستبق الأحداث حتى وإن كانت بوادرها لا تبشر بخير خاصة بعد انقلاب عبد الله بوصوف علينا 180 درجة مقارنة مع حماسه الأول لنا واحتفائه المبدئي بنا، قررنا أن نكتب له بمداد مستوانا حروف أصالتنا، أن نكتب بيان شكر على ضيافته لنا ، فكان كالتالي:
“أعرب الشاعر والروائي أحمد حضراوي عن بلجيكا باسمه وباسم كافة أعضاء التجمع الأوروبي العربي للثقافة والفن: الشاعر الدكتور يحيى الشيخ عن فرنسا، الشاعر محمد كنوف عن ألمانيا والشاعر يوسف الهواري عن هولاندا، عن شكره وامتنانه لمجلس الجالية المغربية بالخارج الذي يرأس أمانته العامة الدكتور عبد الله بوصوف، على حسن الاستضافة التي قوبل بها وأعضاء الرابطة الأوروعربية للثقافة والفن، والحفاوة التي تلقوها، ليس فقط من طرف المجلس فحسب بل ومن طرفه رئيسه الدكتور عبد الله بوصوف شخصيا، وذلك بمناسبة الندوة التي دُعوا إليها بمناسبة المعرض الدولي للكتاب.
كما اختتمت زيارتهم للدار البيضاء بأمسية شعرية أقيمت على شرفهم بقاعة المؤتمرات بفندق فرح الذي قضى به أعضاء الرابطة أيام زيارتهم للمغرب مستنشقين نسيم البحر القريب وأمان البلد الذي حملوه دوما في حقائبهم، حيث ألهبوا المنابر بحناجرهم الشاعرة إذ تجاوب الجمهور الكريم مع لغتهم الأصيلة رغم سنوات غربتهم الطويلة التي لم تؤثر عليها بل زادتها بيانا وجمالا.
كما أشاد أعضاء الرابطة الأوروعربية للثقافة والفن باحترافية أفراد مؤسسة الجالية وبشاشة وجوههم وسعة صدورهم في تعاملهم من الشعراء المغتربين منذ لحظة استقبالهم الأولى بأرضية المطار حتى لحظة عودتهم من حيث أتوا، حاملين إحساسهم بالرضا في يمناهم، وأملا في تكرار التجربة في يسراهم، وحب الوطن الذي لا يكف عن احتضانهم بكل حب في قلوبهم، وكل أمن وأمان”. ونشر في موقع الديوان.net يوم 18 فبراير 2018.
كان بيان تغاض عن كل ما استبقناه من شعور أن عبد الله بوصوف قد دبره لنا من سوء، وكان إيذانا له منا بأننا باقون على موعد عهدنا الأول الذي ضربه لنا على نفسه، وبأن أيادينا المبسوطة له بثقة فيه -رغم كل الإشارات السيئة التي ظهرت منه-، قد تمتد إليه بغير ذلك إذا نقض وعوده، هو نفسه أقر لنا أكثر من مرة بأننا مختلفون عن كل ضيوفه السابقين.
ماذا كان أسوء وأقذر ما تعرضنا له بعد عودتنا من معرض الكتاب؟