هل كانت تلك هي أول مرة أُدعى فيها من طرف جهة رسمية مغربية وأوعد بلبن العصفور من طرفها كما يقول المثل، لا طبعا، لكن لمِ لمَ أكتب عنها كما كتبت عن مجلس الجالية المغربية بالخارج متمثلة في رئيسها الفعلي أمينها العام عبد الله بوصوف؟ لأن الأمر وبكل بساطة توقف عند وعد وتناسيه، فلم أر مدعاة للإصرار على أن تفي بالتزاماتها وقد أدخلتني في متاهات التسويف. ما يمكن الإشارة إليه هو أن وعود هذه المؤسسات كانت وعودا عامة، ولم تكن متعلقة بمشاريع موثقة بالأسود على الأبيض، بل وأكثر من ذلك، بطلب من عبد الله بوصوف شخصيا، ووجها لوجه.
قبل أشهر على معرض الكتاب ذاك كنت بمدينة الرباط حيث لبيت دعوة كريمة لإحدى المؤسسات المعتنية ببعض مجالات مغاربة الخارج أيضا، لم يكن قد بقي على مغادرتي إلى بلجيكا غير ساعات قليلة، قضيت قبلها أياما متنقلا بين الرباط والدار البيضاء ومدن ساحلية قريبة منهما حتى طنجة، حيث حظيت بلقاء شخصيات وازنة في المغرب، شخصيات غير سياسية أو مخزنية، بل كانت في معظمها مهتمة بالشأن الديني والثقافي والعلمي والفكري.
اقترب مني أحدهم، وهو مقيم بمدينة بروكسل ومعروف بتملقه لكل من يعطف عليه ولو بكسرة خبز يسد بها رمقه الذليل، ابتسم ابتسامته التي لا معنى لها وسألني لماذا لم أستغل فرصة تواجدي بالرباط لأطلب مقابلة عبد الله بوصوف. كان عبد الله بوصوف حينها صديقا لي على الفايسبوك، تماما مثل باقي أفراد أسرته الصغيرة -الذين لم أكن أعرف هويتهم كما ذكرت سابقا-، وكان يجمجم لي أحيانا ولا يترك رأيا في تعليق إلا نادرا. تعجبت من اهتمام السائل بهذا الأمر بالذات، فأضاف بأن بوصوف يعلم بأمر إقامتي على بعد عشرات الأمتار فقط من مكتبه، وبأنه يتشرف جدا بلقاء شخصي المتواضع.
لم يترك لي فرصة التفكير حتى في الأمر، بل تناول هاتفه المحمول واتصل في التو بشخص ما حياه باسم “السي عبد الله”، استغربت من سرعة رد الشخص المطلوب -وقد تبينت هويته- على اتصاله عكس مجموعة من زملاء المهجر سمعتهم يتحدثون عن محاولاتهم المتعددة للاتصال به منذ أيام دون جدوى. تجاهل جميع من اتصل به لكنه رد على هذا الشخص من أول رنة.
لم يكن حديثا بمقدمات طللية، أو حشو تمهيد، كان أول ما تلفظ به هو: ”ها هو احدايا”. تشعرك العبارة وكأنك كنت محل بحث، بعدها سلمني الهاتف بابتسامته البلهاء قائلا ومشيرا بيده بحماس فائق: ”السي عبد الله باغي يهضر معاك”.
تناولت الهاتف: ”ألو، السلام عليكم”.
وعليكم السلام السي احمد، واش ماباغيش تزورنا ولاّ؟
علاش، بالعكس، أتشرف برؤيتكم طبعا، بل سيكون هذا من دواعي سروري.
أعلم أنه لم تبق أمامك إلا ساعات لتنطلق طائرتك إلى بلجيكا، ورغم ضيق وقتي -لما تعلمه من ظروف- إلا أنه يسعدني أن أراك ولو لربع ساعة قبل أن تغادر.
تحت أمرك (رغم أني لم أتبين ما يقصد بالظروف).
خذ سيارة أجرة من أمام الفندق، وسأكون بمكتبي خلال عشر دقائق، ستجدني في انتظارك.
ناولت صاحب الهاتف هاتفه وعقبت مستغربا: ”السيد عارف عليّ كلشي، عارف أني هنا بالمغرب، وعارف فين نازل، وفين مشيت ومنين جيت، وفوقاش مسافر؟”.
إيوا شنو سحابلك، راك زعما مع المخزن أمولاي.
إيوا التسليم أخاي.