عُد إلى الرحمن قبل فوات الأوان __ ذ. نعيم الباكستاني

0
220

عُد إلى الرحمن قبل فوات الأوان
******************

   أبو جُعَل (خنفساء الروث) حشرة يعرفها سُكّان الأرياف وقُطّان القرى، هذه الحشرة من شأنها ودَيدنها الخروجُ من جُحرها صباحاً في البحث عن روث البقر وغيرها، وأينما عثرت عليه بدأت تجمعه في هيئة الكرة، ثم تدفعها وتجرّها إلى جحرها، وإذا وصلت إلى الجحر تبيّن لها أن حجمها أكبر من فُوهة الجحر، فتتركها على مضضٍ خارجَ الجحر بعدما تجشّمت المتاعب كلّها، فمثلُ الإنسان في الحرص والطمع كمثل هذه الحشرة في أنه يواصل الليل بالنهار، ويُفني جُلَّ حياته في إحراز الأموال الطائلة، وزخارف الدنيا الزائلة، ولا يُراعي في اكتسابها الحلالَ والحرامَ، ولا يُقيم وزناً للقوانين والبنود الإلهيّةِ، بل يَهِيم على وجهه خلف شهواته، لكنّ الله يُرخي له العنان -حسب حكمته- ويُلقي حبله على غاربه حتى إذا بلغ إلى ساحل الحياة، ورأى سفينة حياته تتمايل بين لجج سكرات الموت، ورأى روحه تُغرغر شيئا فشيئا، ولم يبقى منه إلا حُشاشة، فحينها يُفيق من إغماءة غفوته، ويعضّ بنان الندم على أنّ كل ما اختزن من الغالي والرخيص لن يمكن له اقتياده إلى حضيض قبره، ويخلّف نهائيا ثروة حياته لمن ينفقها بكلّ قسوة، فيتلهّف عندها على الأمر الفائت، ولكن دعني أقول -يا تُرى- ما جدوى الصوت بعدما فات الفوت؟ هل رأيتَ السهم الخارج عاد إلى فوقه قطّ؟ فعُد -أيها الإنسان- إلى الرحمن قبل فوات الأوان، وبادر إلى التوبة، وأزمعِ الأَوبة، واسألِ الله أن يغفر لك ما سلف من الحَوبة ليسقيك الله من حوض الكوثر شربة لا تظمأ بعدها، ويحبوك خضراء الفردوس ترتع فيها أبدا.

يا نفس توبي فإن الموت قد حانا
واعصي الهوى فالهوى ما زال فتانا

أمــا ترين المــنايا كيف تلقـــطنا
لقــــطاً وتلحــق أخــرانا بأولانا

في كل يوم لــنا ميـت نشـــيعه
نــرى بمصــرعه آثــــار موتــانا

يا نفس ما لي وللأموال أتــركها
خلفي وأخرج من دنياي عريانا

أبعد خمسين قــد قضّيْتها لعـــباً
قد آن أن تقصـري قد آن قد آنا

ما بالنا نتعامى عن مصـــائرنا
ننسى بغفلتنا من ليس ينسانا

نزداد حــرصاً وهذا الدهر يزجرنا
كأن زاجـــرنا بالحــــرص أغــرانا

أين الملوك وأبنــاء الملوك ومـن
كانت تخـــر له الأذقــان إذعـانا

صاحت بهم حادثات الدهر فانقلبوا
مستبدلين من الأوطان أوطانا

خـلوا مدائن كان العــــز مفرشـها
واستفرشوا حفراً غبراً وقيعانا

يا راكضاً في ميادين الهوى مرحـاً
ورافــلاً في ثياب الغيِّ نشوانا

مضى الزمان وولى العمر في لعب
يكفيك ما قد مضى قد كان ما كانا

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here