اَلنَّهرُ ماضٍ فِي هُدوءِ مَسِيرِهِ
وَالموجُ فِي أعْماقِ نَفسِي صَاخِبُ
سَابقْتُ أَوْراقَ الخَرِيفِ بِخفَّةٍ
وَالظِّلُّ منْ جَسَدِي إِليْهَا هارِبُ
وَالطَّيْرُ مُصْطَفُّ الْجَناحِ تَمايُلًا
وَجَناحُ رُوحِي فِي الْأَعالِي رَاغِبُ
لَاطفْتُ ظِلَّ الغَيْمِ دُونَ تمَنُّعٍ
وَبِسَاطُ كَفِّي لِلنَّوَارِسِ قَارِبُ
يَا نهْرُ خُذْنِي فِي خِضَمِّكَ بُرهَةً
فَالقلْبُ بَرًّا مُتعَبٌ وَمُحَارِبُ
وَاهمِسْ بأَسْرَارِ الصُّمُودِ لِكَيْ أَرَى
مَا لمْ تُعَلِّمْنِيهِ بَعدُ تَجَارِبُ
اِنْشَقَّ صَدْرُ الصَّخْرِ لمَّا جِئتَه
وًالغَيْمُ منْ فَوْقِ الْهِضابِ يُرَاقِبُ
وَالهامَ طَأطَأتِ الجِبالُ تخَشُّعًا
لمَّا أذابَ الثَّلجَ فيهَا سَاكِبُ
منْ عمقِ هذِي الأرضِ جئتَ مُسافِراً
للبَحرِ يَشْتاقُ العُبابُ الذَّاهِبُ
وَالناسُ منْ أوكارِها نَسَلتْ إِلَى
شَطّيْكَ كالمُشتَاق جَاءَ يُعَاتِبُ
فِي مَوكِبٍ حفَّتكَ أشْجارُ الهُدَى
مثلَ المُلوكِ فَرافَقتْكَ مَناقِبُ
يَجْرِي فُؤادِي بِالسّفينَةِ مِثلَمَا
تَجْرِي عَلى هَدْيِ الرِّياحِ مَرَاكِبُ
وَأدُورُ في فُلكِ الحَياةِ كَأننِي
فِي سِجْنِ سَاعاتِ الزًّمانِ عَقارِبُ
فَاكتُبْ عَلَى صَفحَاتِ مائِكَ أنَّنِي
بالصًّبرِ أرْسُمُ غَايَتِي وَأُواظِبُ
إِنِّي أتيتُكَ وَالزَّمانٌ يَسوقُنِي
وَكأَنَّ يُونُسَ فِي البِحَارِ مُغاضِبُ
كُنْ لِي كَبَطْنِ الحُوتِ حينَ تَضُمُّنِي
فَشِرَاعُ خَوفِي للسّفِينَةِ ثَاقِبُ..