لنتحدث بعقلانية وهدوء عن بيان الأعضاء الـ13 من مجلس الجالية المغربية بالخارج الذي لم يفاجئنا من حيث هو كموقف بقدر ما فاجأنا توقيته، نتحدث بدون لغة تَشَفٍّ في مجلس الجالية وأمينه العام الدكتور عبد الله بوصوف، ودون رفع شارات النصر وادعاء أن هذا الحدث الخطير هو نتاج جهد شخص واحد، للركوب على الحدث وفتح أبواب من عبث التحاليل الباهتة والمزاعم الضيقة والانتصارات الكاذبة، فالمرحلة مرحلة إدراك وفهم وترقب لما بعدها، لا مرحلة توزيع غنائم في معركة لم تحسم، بل ولم تُخَض بعد.
هل تتذكرون مقالي: “عبد الله بوصوف من قضية إلموندو الإسبانية إلى قضية الديوان البلجيكية؟ وهل تتذكرون أني أشرت فيه -الرابط أسفل المقال- إلى عمليات تهريب -محتملة- للمال، يقوم بها عبد الله بوصوف أمين عام مجلس الجالية المغربية في الخارج عبر صاحب وكالة أسفار شارع مولاي يوسف، عبر أحد رجالات ثقته إلى الإمارات العربية وتحديدا إلى إمارة دبي؟
هل صدفة أن ينشر أول إعلان عن بيان الـ13 المطالبين الدكتور عبد الله بوصوف -خاطب الملك مباشرة في أن المغاربة العالقين- متجاوزا إمضاء أمين عام المجلس أسفل البيان، من تلك الإمارة تحديدا “دبي”، وهل مصادفة أن يأتي البيان مباشرة بعد استهداف الذباب الإماراتي للمملكة المغربية؟ هل نشتم أن عبد الله بوصوف قام بمناورة “ما” مع حكام الإمارات عجّلت بإصدار هذا البيان كعملية استباقية لم يظهر ما بعدها بعد؟
أسئلة تجر إلى أخرى، لماذا اختار بوصوف الإمارات لتهريب أمواله -المحتمل-؟ هل اختارها لأنها فقط فردوس مالي أم لأنه يدرك تمام الإدراك استحالة هذه الدويلة الإبقاء على علاقات ديبلوماسية ثابتة بينها وبين المغرب، وبالتالي هو مطمئن لهذه الثغرة التي تحفظ له ماله المهرب -في حالة ثبتت عليه التهمة- هناك لأنه شخصية محورية في زرع بذور الفتنة بين الأشقاء (وإنجازاته في أوساط مغاربة العالم خير شاهد عليه). ولأنه يشكل نموذجا من النماذج الدينية والسياسية التي تبحث عنها الإمارات “بالريق الناشف” من صنف محمد دحلان وحفتر: حب الشهرة والمال والظهور بمظهر ديني، واستعداد فطري لخدمة أية أجندة ما دامت تدفع بالعملة الصعبة “على الأقل في نظر دويلة الإمارات”.
مجرد تخمينات نطرحها بحدسنا بصوت عالٍ!!!
وهنا من حقنا أن نتساءل عن دوافع الـ13 عضوا، هل هم ثابتون على موقفهم هذا ولن يحيدوا عنه مهما كانت ردة فعل الرجل وموقف “من يسندون ظهره”؟ أم هي مجرد مناورة لتحقيق مكاسب أو “شعبية” لدى مغاربة العالم الذين افتضحت قيمتهم الحقيقية في عيون المجلس مع تفشي جائحة كورونا وما سببته من إغلاق للمعابر المغربية في وجههم دخولا وخروجا، بل وحتى نقل موتاهم لدفنهم في مقابره، محاولة منهم البروز بموقف مغاير للموقف الرسمي للمجلس؟
من جهتنا نحن فإننا لا نشكك في نواياهم ونوايا أعضاء آخرين لابد وأنهم يشاركونهم نفس الموقف، لكنهم ربما يتريثون في الإعلان عن مواقفهم لأسباب نجهلها في الوقت الراهن، وأعضاء سيظلون متكتمين عليها إلا إذا أزيح بوصوف عن كرسييه، ربما خوفا من انتقامه أو بسبب تورط معه في فضائح ما يهددهم بنشرها إن تخلوا عنه عملا بمبدأ “علي وعلى أعدائي”.
والسؤال الأهم الذي يجب طرحه هو عن السبب الحقيقي الذي أخرج هؤلاء في هذا التوقيت بالذات لإصدار البيان والشرارة التي أضرمته؟ هل هو قفزٌ من ظهر السفينة التي هم أدرى من أي شخص آخر مهما كان متابعا كيّسا أو فطنا بوضع إبحارها في بحر المعارضة الشديدة التي انفجرت في وجه بوصوف، خاصة من فئة المثقفين الذين لم يحسب لهم حسبانا يوما ما، بحيث كان كل تركيزه واهتمامه بفئة معينة من “مغاربة العالم”، تعامل معها أو بها خلال سنوات تربعه على كرسي المجلس “الـ13” -ويا للمصادفة العجيبة-، فئة المثقفين التي أساء التصرف معها فجعلته بأقلامها يحصد ما زرعه في تربتها من تجاهل وتحقير.
يلاحظ المتتبع لصفحة عبد الله بوصوف على الفايسبوك هذه الأيام اهتمامه الكبير بموضوع كفاءات مغاربة العالم في الخارج، لكن هل هو مهتم أصلا بهذه الكفاءات؟ وما تعريفه للكفاءة؟ فالكفاءة إما ذات وجه مادي أو وجه معنوي وهو الأهم، لأن الأمم والدول والشعوب لا تبنى فقط بالإسمنت والحديد بل تبنى بالرؤى والأديان والفلسفات والأفكار! فليبرز لنا الدكتور عبد الله بوصوف نوع الكفاءات التي يهتم بها وماذا قدم لها من موقعه، وما جناه من ورائها هو لا المغرب، وليكشف لنا اكتراثه بها ولو المعنوي من خلال “المتاح” وفق القانون المنظم لعمل المجلس.
نتحداه أن يقدم لنا أي جرد أو لأي مؤسسة محاسبة مغربية أخرى لأنه ذكي جدا ويحسن استغلال الفرص، فتقديم جرد الإنجازات دستوريا هو من اختصاص رئيس المجلس “المغيب” وليس الأمين العام، وحال الدكتور عبد الله بوصوف يقول:” اجعلوني على رئاسة مجلس الجالية المغربية في الخارج” لأضع أوراقي بين أي جهة شئتم، وهو يعلم أنه حينها سيجد له مخارج أخرى أقلها الدفع بعدم المسؤولية عن العهد “البائد”، لأنه كان مجرد أمين عام.
أخيرا هذه ليست أول مرة يقدم فيها أعضاء من مجلس الجالية عرائض احتجاج ضد أمينه العام، وقد يتمخض الأمر عن لا شيء، لكنها تبقى خطوة لعبد الله بوصوف نحو الأسفل، إذا تبعتها خطوات أخرى، أهمها المطالبة بمحاسبته عن تبذير ميزانيات المجلس، كشف شبكة ذبابه وأجهزته في أوصال الجالية التي تستنزف أكبر قدر من تلك الميزانيات من خلال شراء الولاءات، الدفع نحو المطالبة بمحاكمته على الجرائم المتهم بها وزوجته أمام المحاكم الأوروبية أمام محاكم داخلية وطنية هي أولى بمحاكمته، واستقالة جميع أعضاء المجلس الـ35 وإعادة انتخاب أعضاء جدد حسب النصاب الذي حدده الدستور للمجلس، ويمكن لمن ثبتت براءة ذمتهم من الأعضاء القدامى الترشح لمنصب العضوية من جديد، وما أكثر نظيفي اليد والذمة بينهم.
ولنا عودة إلى الموضوع بشكل من التفصيل في مقالات قادمة.
عبد الله بوصوف من قضية إلموندو الإسبانية إلى قضية الديوان البلجيكية – أحمد حضراوي