عشاق الحياة .. ــ ذ. سليم عوض عيشان

0
656

تنويه :
جميع الشخوص والأحداث الواردة في النص .. هي تصوير قلمي لأحداث حقيقية وقعت على أرض الواقع ، وليس للكاتب من فضل عليها سوى الصياغة الأدبية فحسب .
إهداء خاص :
إلى بطل النص الحقيقي … بطل ” عشاق الحياة ” .

( الكاتب )
——————

(( عشاق الحياة … )) ؟؟!!

.. على وقع اللحن الرائع … والموسيقى العذبة .. والصوت الراقي ؛ كان يردد بما يشبه الهمس الملائكي :
” ابتديت دلوقت بس .. أحب عمري …
ابتديت دلوقت أخاف .. أخاف للعمر يجري ” ..
اقتربت منه أكثر فأكثر بصمت وهدوء .. لم يحس بي ولم يشعر باقترابي منه ..
هتفت في سري :
” لا بد بأنه سعيد جدّاً .. بل لعله أسعد إنسان في الكون ؟؟!! ” .
كان ” يدندن ” بكلمات الأغنية وكأنه يردد ” ترنيمة الحياة الأبدية ” .. شعرت وكأنه يعيش ” عالم الخيال ” .. أو كأنه يعيش في “المدينة الفاضلة” .. ” مدينة أفلاطون ” .
.. في سري .. كم تمنيت أن أكون بمثل سعادته ولو بالنزر اليسير .. فلا بد بأن الشاب قد ملك زمام الكون من كل أطرافه .. فها هو يغني بسعادة للحياة .. للحب .. للأمل ..
بدون أن أشعر .. وجدتني ” أدندن : ذلك اللحن الخالد لسيدة الغناء … وأشارك الشاب سعادته :
” ابتديت دلوقت بس .. أحب عمري ..
ابتديت دلوقت أخاف .. أخاف للعمر يجري … ” .
لم يتنبه الشاب لجلوسي إلى جانبه … ولا إلى مشاركته الغناء ؛ وكأنه كان يهيم في دنيا الحب في عالم آخر مع الملائكة ..
فجأة .. كان الشاب ينتفض وبشدة عندما سمع صوتاً صاخباً مدويّاً ممزوجاً بالنشوة :
” الله يا ست ” ؟؟!!
.. لم يكن ذلك الصوت سوى صوتي أنا ..
عندما أفاق الشاب من حلمه ” الكلثومي ” الجميل .. نظر نحوي بغرابة وتعجب .. ولم يلبث أن تمالك زمام نفسه وهتف بي برقة مصافحاً مرحباً .. هاتفاً :
– أهلا بك أيها الرجل ” الكلثومي ” ؟؟!!
كم سعدت بذلك اللقب الذي وسمني به الشاب .. صافحته بحرارة .. مد يده نحوي يشير لي بالاقتراب منه .. بالجلوس إلى جانبه .. راح يكمل السيمفونية ” الكلثومية ” بسعادة :
” كل فرحة اشتاقها من قبلك خيالي …
التقاها بنور عينيك قلبي وفكري ..
لم يسعني سوى مشاركته الغناء والتمايل والسعادة .
عندما كانت السيمفونية الرائعة تضع آخر الكلمات والحروف .. كان الشاب ينهض من مكانه صارخاً :
” الله يا ست .. من الأول والله يا ست ” ..
هتفت به برقة وهدوء والابتسامة العريضة تغطي محياي :
– يا لك من شاب سعيد حقّاً .. ولا أظن بأن هناك من يعيش السعادة مثل هذه التي تعيشها ؟؟!! .
.. صمت الشاب للحظات .. وساد بيننا السكون الغريب لثوانٍ .. حسبتها الدهر ذاته ..
نطق بصعوبة :
– ولماذا لا أكون سعيداً ؟؟!! .. بل وفي منتهى السعادة بالفعل ..
.. انظر هناك يا صديقي .. نعم .. انظر ناحية الغروب .. حيث الشمس وقد أخذت تلملم بقاياها مغادرة عالم الحياة .. لا لكي تذهب إلى الفناء والتلاشي … بل .. لتهب الحياة لأقوام آخرين .. ولتستمر ديمومة الحياة …
.. انظر إلى تلك المرأة الشابة المحجبة .. التي تصاحب أطفالها الثلاثة في لعبة الحياة الأبدية التي يمارسها البحر وأمواجه .. تلك اللعبة الأزلية .. الأبدية .. والتي لا يملها البحر ولا الأمواج أبداً .. فلماذا لا أكون سعيداً .. وها أنا قد ملكت كل أسباب السعادة ومن كل نواصيها ؟؟!.
زوجة جميلة .. ملتزمة .. مطيعة ودودة .. تحفظ كتاب الله عن ظهر قلب .. وثلاث طفلات جميلات كأنهن الملائكة ..
ولا تنس بأني أعيش الحياة ” الكلثومية ” جيداً …
رددت في سري :
” لقد قلت ومنذ البداية .. بأن هذا الشاب هو أسعد رجل في المعمورة .. لقد كان حدسي في محله … ”
فاجأني الشاب بالقول :
– هل تدري يا صديقي بأنني كنت أتعس رجل في الوجود ؟؟!! وإلى عهد قريب ؟؟!! ..
لم أتفوه بحرف من جانبي .. ولم أنبس ببنت شفة ..
أتبع الشاب :
– لقد كنت يائساً من الحياة .. زاهداً فيها … أتمنى الرحيل عنها ومغادرتها إلى الأبد ؟؟!!
.. تابعت صمتي … تابع الشاب الحديث :
– ولكن هذه المرأة التي هي زوجتي .. وهبتني السعادة .. الحياة .. الأمل من جديد .. فأبدلت تعاستي سعادة .. وأبدلت الألم بالأمل .. وبت أعيش الحياة .. السعادة …
.. تابعت صمتي وإصغائي … تابع الشاب الحديث :
– كل ما في الأمر يا صديقي .. بأنني كنت ومنذ شهور قلائل خلت .. قد أصبت بـ ” وعكة صحية ” مفاجئة .. كادت أن تعصف بي .. لولا رحمة الله سبحانه وتعالى .. ولولا وقوف هذه المرأة إلى جانبي .. وتشجيعي ومساندتي على تخطي المحنة وتجاوز الأمر … وبثت بي الأمل للحياة من جديد .. فهل عرفت مدى سعادتي … وهل أدركت سر سعادتي يا صديقي ” الكلثومي ” ؟؟
.. أومأت برأسي علامة لكثير من الأمور .. أدناها بأنني قد عرفت سر سعادته الطاغية تلك .. بوجود زوجته إلى جانبه … ورحت أردد في سري تلك المقولة الشهيرة :
” حقّاً .. بأن وراء كل عظيم امرأة ” ..
.. رحت أتابع بناظريّ ذلك المشهد البديع .. الشمس في انحدارها البطيء نحو الغروب .. المرأة الجميلة المحجبة تداعب مياه البحر .. تداعب الأمواج الأزلية في لعبتها الأبدية .. وهي تمارس ” لعبة الحياة ” بهدوء .. بصخب . الأطفال يلهون على الشاطئ ببراءة وسعادة ..
.. ساد سكون رهيب بيننا .. رحت أخوض بحار أفكاري التي لا تنتهي … راح الشاب يخوض بحار أفكاره التي لا تنتهي … راح اللحن الملائكي يعزف من جديد :
” ابتديت دلوقت بس .. أحب عمري
ابتديت دلوقت أخاف .. أخاف للعمر يجري … ”
.. عاد الشاب يدندن اللحن ” الكلثومي ” الخالد من جديد وبسعادة .. رحت أشاركه الغناء .. نهضت من مكاني مغادراً .. ملوحاً للشاب بيدي .. مدندناً اللحن ” الكلثومي ” الخالد ..
قطع صوت الشاب تواصل ” الدندنة ” المشتركة … هتف بي بابتسامته العريضة :
– .. ولكن .. لماذا لم تسألني يا صديقي ” الكلثومي ” عن نوع مرضي الذي أصبت به والذي سبب لي تلك النكسة التي كادت أن تعصف بي .. لولا لطف الله سبحانه وتعالى .. ولولا وقوف زوجتي إلى جانبي …؟؟!!
.. توقفت عن ” الدندنة ” .. عن الحركة .. عن التنفس .. بدوت كتمثال إغريقي قديم قد من الجرانيت ..
أكمل الشاب حديثه بسعادة :
– إن تلك ” الوعكة الصحية ” المفاجأة التي ألمت بي في حينه .. لم تكن سوى عارض بسيط .. بسيط جداً … يطلقون عليه “لوكيما الدم” ؟؟؟!!!

 

 

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here