“عد يا أخي” (مرثية في أخي القتيل) :
العينُ عَبْرَى والفؤادُ مُقَلْقَلُ
والروحُ بين جَوانحي تتململُ
وتصيح في عُمْق الفؤادِ هواجسي
كالرعد في أُفق السماءِ يُجلجِلُ
أَرَقٌ عجيبٌ قد ثَوَى في مقلتي
ولَظَى الْجَوَى في مهجتي يتشعّلُ
يا عينِ مالكِ تسهرين وقد غفتْ
أُمّ النجومِ ونامَ ليلٌ أَلْيَلُ
ليلُ الوصالِ وجدتُ أسرعَ ذاهبٍ
ليلُ الفراقِ مِن القيامةِ أَطْوَلُ
الوصلُ حُلْوٌ كالسَّفَرْجَلِ والنَّوَى
صابٌ مريرٌ في المذاقِ وحَنْظَلُ
قالوا تَجَلّدْ وَاصْبِرَنْ لا تَجْزَعنْ
فالجرح إن يَدْمَى فيومًا يَدْمَلُ
قلتُ القروحُ تقيّحتْ في داخلي
ويُميتني ألمُ القروحِ ويقتلُ
كيف النَّجاةُ مِن المَنيّةِ بينما
تَسْرِي سِمامٌ في عُروقي وهَلْهَلُ؟
قد رَثّتِ الحسراتُ في قلبي كما
ثوبٌ على أجسادنا يَتَهَلْهَلُ
سَجْعُ الحمامةِ فيه أسمع صوته
والبدر لي في شكله يتمثّلُ
قد كان أَيمُ اللهِ مُنْجِزَ وعدهِ
رجلًا وَفِيًّا لا يَخُونُ ويَخْتُلُ
شهمَ الفؤادِ وأَلمعيًّا حاذقًا
آراؤه في قومه لا تُهمَلُ
طَودًا من الأطواد فِنْدًا شامخًا
عند الهنابثِ كان لا يتزلزلُ
ثَبْتَ الجَنانِ تَهابُهُ أُسُدُ الْفَلا
سَبْطَ الأناملِ كفُّهُ لا يبخَلُ
ورِعًا تقيًّا في النهار وصائمًا
لله في جنح الدياجي يُبتّلُ
قد كان في الأمس القريبِ بجانبي
واليومَ عند جِوارِ قبره أُعْوِلُ
وبكيتُ من ألمٍ أَلَمَّ بخاطري
والجفن عند تفجّعٍ يتبلّلُ
لو عانَى ما عانَيتُ بَعده في النَّوَى
صخرٌ لَذابَ الصخرُ منها وجَنْدَلُ
حنّتْ مَحافلنا إليك فعُدْ أخي
قَفْرًا يَبابًا صارَ بَعدك مَنْزِلُ
قد أوحشتْ جدرانه يبدو كما الْ
أغوالُ في ساحاته تتجوّلُ
وعساكر الأشجانِ عنديَ خيّمتْ
والفرح عند الحزنِ لا يتجلّلُ
وتُوَلوِلُ الأطيارُ عند غِنائها
والعندليبُ ينوحُ حين يُعندِلُ
وفَراشُ أزهارٍ فقدنَ رُواءها
والورد في البستان بعدك يذبلُ
ما دَقَّ قلبي في الجوانح واجِمًا
ذِكراك في أعماقه لا يَخْمُلُ