“عالم الأفكار وعالم الأشخاص” هز لجذع الحقيقة وتلاوة الرطب :
لعل من أخطر الأسباب التي تكرس التخلف والانحطاط الديني إن صح التعبير، هو الخلط بين عالم الأفكار وعالم الأشخاص، حيث يصبح الشخص الذي يجوز عليه الخطأ والصواب عند الكثير من حيث لايشعرون، مصدرا من مصادر التشريع، متخذا من قداسة الموقع الذي يتربع على كرسيه طريقا إلى الدعوة لتقديس الخطأ الذي قد يقع فيه فكريا وعمليا، ليفرض على أتباعه إرهابا فكريا لاشعوريا، يحظر عليهم أن يناقشوه أو يجادلوه، وإن ناقشوه أو جادلوه تحايل عليهم بلي عنق النصوص ليخرجها من المعنى الذي أراده الله ورسوله، إلى المعنى الذي رسخ في عقله وفقا للذي تشوق إليه نفسه.
ولاشك أن بيان الحق – والحالة هذه – بالمنطق العلمي، وبالأسلوب الذي يجسد القوة من غير ضعف، ويوحي باللين من غير قسوة، والترفع عن التجريح والإساءة هو ما يجب القيام به، وهو داخل في صميم قوله تعالى :
[ ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون ]،
ولست أنتزع هذا الكلام من الخيال، بل هو صورة أمينة عن الواقع الذي تمظهر ولايزال بحراسة تراث إسلامي متراكم – وأقول تراث كي أفرق بينه وبين العلوم الإسلامية التي تنزلت من وحي السماء على قلب سيدنا رسول الله [ صلى الله عليه وآله وسلم ]، ضرب على مر العصور حصارا محكما حول الكليات القرآنية، وحول أساسيات الحديث النبوي القولي والسلوكي، تجاه عدد من القضايا والأحكام الإسلامية ليعمم فقها مسيطرا ومحتكرا، استطاع أن يعيد إحياء حالات ووقائع جاهلية في إطار الدين الخاتم، مبطلا الجوهر الإسلامي في تلك القضايا والأحكام.
إنه لمن الأهمية بمكان أن يتصدى المفكرون الإسلاميون لتحديات الحقبة الحضارية الراهنة، التي تعيش أطوارها التشكيلية والتي تبرز يوما بعد يوم عمق التناقض بين المقاصد القرآنية ذات الطابع الكلي، وبين فقه ابتعد عن المرجعيات الأولى للإسلام وغرق في انحرافات تفوح منها رائحة غابرة، وتهيمن عليها عادات وتقاليد وأعراف عصور مغرقة في القدم، مكرسة حقبات بطريريكية مطولة ماتزال آثارها ماثلة حتى في أرقى المجتمعات الإنسانية، وليست قضيتي الرق و ملك اليمين إلا مثالا على الذي ذكرت.