طفيليات النقد – صالح لبريني

0
218

الإبداع تمرّد عن سلطة التوابيت النقدية، وعصيان لكل التوصيات الفضفاضة التي بدأت تغزو الممارسة النقدية في مقاربة التجارب الشعرية، والشاعر بطبعه، وشخصيته، وتركيبته دائم العصيان، ويحبذ الانتماء إلى الخوارج، لا يركن إلى عظمة المعايير والقواعد التي تُكبّل إرادة الإبداع، ولا يخضع إلا لحكمة الذات وندائها، ولا يطرق الأبواب لاستجداء نقَدة لا يملكون الشجاعة في انتقاد ذواتهم وما يدبجونه من مقالات، هي في جوهر ترضية لخواطر أدعياء الكتابة الإبداعية. الشاعر حليف الظلال، وخليل العتمات، ومؤمن كل اليقين بأن العزلة أنطولوجيا هي التي تمنح طاقة الخلق والإتيان بالنص المفارق، المخلخل، المربك والمخاتل، حينها يذهب نقاد التحالفات الثقافية الهشّة إلى الجحيم، وليعضوا أصابع حسرة ونكدا، وغُبنا، لأن ما نراه اليوم، من كتابات تصف نفسها بالنقدية، بينها وبين النقد إلا الخير والإحسان. فالادّعاء والتطاول على مجال النقد غدا جليا واضحا؛ لمن هبّ وذهب، ولا أحد من الملسوعين بنار النقد البناء والمبني على دعامات أصيلة معرفيا ونقديا، يعلن تبرّمه مما تشهده الساحة الثقافية من انتشار طفيليات نقدية، تكرّس الشعير بدل الشعر، وتنتصر للضحالة الشعرية. والغريب كل الغرابة تجدها حاضرة في كل الندوات واللقاءات والصبحيات والأمسيات، ولا تخجل من عريها النقدي الذي يفضح قيمة منجزها النقدي.
إن الشعراء الخلّاقين ينامون ملء أجفانهم -معذرة للمتنبي- لا يأبهون بزبد الكلام الإنشائي الذي يذكرني بالمواضيع الإنشائية التي كنّا نكتبها في سبعينيات القرن الماضي، أشباه النقاد يمتلكون قدرة خارقة في التضليل والإغواء، فنجد من هم متخصصين في الكتابة على شواعر المغادرة الطوعية -بلغة الشاعر عبد الله بن الناجي- دون سواهن، وفي هذا الأمر الكثير من الأسئلة، فيتوهمون بكونهم من “النقاد العظام!!!”، وفئة أخرى تنتصر إلى العلاقة الإخوانية التي باتت تهدّد الإبداع وتصيبه في مقتل، وهذا الصنف هو السائد والمهيمن منذ عقود.
وهناك من ينصب نفسه مفتيا على الإبداع، شبيها بالدعاة الدينيين الذين عملوا على تشويه جوهر الدين، يضع القواعد ويعطي صكوك الغفران الشعري، ويدبج بيانات، ويلوك كلاما لا علاقة له بالنقد الأدبي، وإنما بجنون العظمة الذي أصيب به، والأكثر من ذلك يرسم هذا النوع خرائط المبدعين على مقاسهم المرضي والنرجسي، وتلك طامة أخرى.
قد يقول قائل مالك وما النقد؟ فيكون جوابي أنا لست ناقدا، ولا شاعرا ولا مثقفا ولا قاصا ولا روائيا نجما، ولا أكتب هذا الكلام النازف حرقة على مآل الإبداع، أنا مجرد ملاحظ أتابع ما يجري في الساحة، وأطلع على غالبية ما يكتب من نقد، ما هو إلا كلام فوق كلام، وأحيانا كثيرة بعيد كل البعد عن الممارسة النقدية الجديرة بالاحترام، إلا أن هذا الإحساس لا يفي وجود أفلام نقدية أرفع لها القبعة عاليا، وهي تمارس النقد في صمت وعزلة.
إننا بحاجة إلى نقد لا يجامل، بل لنقد يكشف عن العيوب، ويرصد الاختلالات في نتاجنا الإبداعي، ويضع الإصبع على مكامن العطَل.
-يتبع-

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here